بيت فؤاد "٣" - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بيت فؤاد "٣"

العالم اليوم يحتاج للحب أكثر من حاجته لأي شيء آخر .. لأننا ببساطة بدأنا نفقد سيطرتنا على مشاعرنا، ونتنازل عنها شيئاً فشيء ..

  نشر في 23 يوليوز 2018 .

كان "فؤاد " يشرب قهوته في المقهى كعادته وقت الظهيرة عندما انهار واقعاً على الأرض، حيث تم حمله إلى المشفى ليكتشف بعد عدة ساعات أنه مصاب بمرض السرطان، وأنه في مرحلة حرجة .. 

اذكر ذلك الاتصال المسائي من صديقي الذي طلب مني أن أرافقه إلى المستشفى لزيارة "فؤاد" لم نكن نعلم بعد ما كان مرضه واعتقدنا أنه مرض عارض أو ربما مجرد إرهاق. كانت المجموعة التي تجتمع عنده كل خميس مجتمعة في غرفته والصمت يحيط بهم، عندما دخلنا كان أحدهم يهم مغادراً وعلامات الحزن والأسى ظاهرة على ملامحه عكس "فؤاد" الذي كان وجهه مبتسماً كعادته.

كان صمت الجميع قد خلق جواً من التوتر، فلم يستطع أي منا أن يسأله عما كان مرضه، فكما كان واضحاً من وجوه الحاضرين أنه لم يكن مجرد سقوط عابر ل"فؤاد". بقينا وقتاً لا بأس به نتبادل النظرات بيننا دون أن ينطق أحدنا بكلمة. حتى كسر "فؤاد" جدار الصمت وقال لنا :" لا أريد أن أرى نظرات الأسى هذه على وجوهكم بعد الآن، إنه قدري وأنا مقتنع بشدة به، السرطان مرض كأي مرض في العالم مع فارق وحيد أنهم يستطيعون إقناعك بأنه يوجد أمل مع الكثير من الألم، لكنني يا أصدقائي سأختار أن أمضي ما تبقى من حياتي معكم، أعزف وأغني .. لقد وعدت طلابي ذات يوم أن أعود وأغني لهم وهذا ما سأفعله ".

غادرنا عند موعد انتهاء الزيارة غرفة "فؤاد" لكننا لم نغادره، كان صديقي طوال الطريق يحاول منع دمعه، لقد كان صديقاً مقرباً ل"فؤاد" ولم أكن أملك أي كلمة قادرة على مواساته. 

قال لي في محاولة منه أن يتجاوز الصدمة :" فؤاد كان مدرس موسيقا في أحد المدارس، إلا أنهم في عام ٢٠٠٥ قاموا باعتقاله بتهمة تحريض الطلاب عبر نشر موسيقا ثورية بينهم وتسويق كتب وشعر ممنوعين من النشر، وعندما خرج من المعتقل وجد نفسه محظوراً من العمل، ومع هذا اتصل بكل طلابه ووعدهم أنه سيعود ليعزف لهم ذات يوم".

كان "فؤاد" مصراً على أن يحضر الجميع اجتماع الخميس وبقي يعزف ويغني لنا حتى خانته قدرته ومع هذا فلم يتردد يوماً في استقبالنا بل وكان يخلق ذات الأجواء لكن بموسيقا جديدة وحكايات جديدة. لكنه تغيير كثيراً جسده الذي أصبح هزيلاً ووجهه الذي كانت ملامح الموت تبدو أكثر وأكثر وضوحاً عليه مع الوقت. حاول الجميع إقناعه بأن يتعالج لكنه كان يرفض. 

" إن للموت رهبته .. ولقد عشت هذه الرهبة لأشهر وأنا بالمعتقل، ورغم أنني كنت أشعر بأن موتي لم يكن مقدراً حينها، إلا أن هناك شيئاً ما كان يخبرني بأنني لن أعيش طويلاً في هذه الحياة".

كانت وصيته الأخيرة لنا أن نعيش بالحب، ألا نموت ونحن على قيد الحياة .. 

" أنا سمكة لا يمكنها أن تعيش خارج الماء، لكن حياتي تنتهي عندما يكون الماء الذي سأعيش فيه موضوع بحوض زجاجي مغلق، حتى لو كان من أفخم الأحواض، لأنني أتنفس من حريتي". 

يتبع ..


  • 2

   نشر في 23 يوليوز 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا