في الواقع كل ما نحتاجه جرعة من الشجاعة و الجرأة في ظل من ما نعيشه من غبار طال أعرافنا . و أقصد هنا ظلال التقاليد، دجى العادات التي لم تعد تتماشى و هذا العصر و، شبح المسمى * احشومة*. لا أود أن أناقش في الطابوهات و لا أسعى لقذف المحصنات من الأعراف.
و لأنها تشكل شطرا من هويتنا لا يُشق له غبار ؛ ماضينا؛ حاضرنا و تحكم إلى حد ما مستقبلنا. ..
اليوم هاتفني صديق الدراسة بالسلك الإعدادي 'يونس'، يخبرني أن موعد زواجه يكون شهر أبريل المقبل ٬ " فْ آلرْبيع " على حد قوله . فقد دأب أهل البلدة تزويج أولادهم و بناتهم في فصلي الربيع و الصيف. ليس لأسباب معينة و لكن لحاجة في نفس يعقوب.
باركت له بمسمى "الصْواب" و تمنيت له الحياة السعيدة و الرفاه. و استرسلت مازحا : لا تستعجل في إنجاب الأطفال أ با يونس، حتى لا تثقل كاهلك فأنت شاب لازلت في مقتبل العمر. ربما لم يستسغ مزاحي معه، و لكنه ألحَّ علي بالحضور(إلى طال الله ف العمر). يقول يونس أنه لن يتزوج الفتاة التي لطالما حلم بها. فوالده من اختار له العروس .و أمه باركتها ؛ و لم يشتغل العمل الذي كان يتمناه؛ خوفا منهما أن يضيع في متاهات الفساد و الغرور الذي يغمر جماح هذا الجيل من أمثال يونس .
بين مطرقة "ها السخط ها الرضي" و سندان التقاليد، قرر العودة إلى البلدة ليكون اليد اليمنى و السند لأبيه في أشغال الحرث و الحصاد و غيرها. لم يكن قراره بل مشيئة والده و إن كان كل شيء في الكون يسير بمشيئة الله..
درس يونس علوم الاجتماع في الكلية ؛ ربما عن قناعة منه ولأنه تأثر بخطاب أستاذ الفلسفة في سنوات الباكالوريا حين كان يستحضر أن الفلسفة هي أم العلوم و أن أفكار الفلاسفة تظل راسخة إلى أبد الدهر. أفكار سيڭمون فرويد حول صراع الهو و الانا الاعلى ،و عبارة جون بول سارتر في وصفه لعلاقتنا مع الغير "الآخرون هم الجحيم " .
كان والده "سي احمد " لا يفقه شيئا في علم الاجتماع ؛ و لو علِم به لأجبر ابنه بالكف عن دراسته بداعي أنه كلام الكفرة و اللاهوت ، بل و لا يدري كيف تمر سنوات الدراسة في الكلية، حين كان يسأله أحد رجالات البلدة عن ابنه يجيب و الغبطة تغمر محياه : " ولدي شد الازازة -الاجازة- " الله يرضي اعليه.
في الوقت الذي فرحت لصديقي يونس رغبته بالزواج (و التي هي ضمنيا رغبة والديه) ، لا اخفيكم أني سرعان ما انتابني نوع من التبرم، لأنه لا يزال سجين العادة و التقليد و حلمه في تقرير مصير حياته لازال رهينا بوالديه. و هنا يستحضرني ما كتبه جبران خليل جبران : إن أولادكم ليسوا أولادا لكم .. و لكنكم عبثا تحاولون ان تجعلوهم مثلكم. (النبي)
قد يستغرب العديد منكم لهذا الأمر! لكنه لازال حاضرا في البوادي و بشكل لافت. اللهم بعض الاستثناءا
نعيش في وسط يجعل من الأبناء مشروعا .و يقدس الماديات .. يعبد المظاهر إلى الحد آلذي يجعلك تتخلى عن مبادئك. و تقتفي اثر العامة من الناس.
مجتمعنا يؤمن بالإشاعة .. فلا تستغرب إن حدث و سمعت عن نفسك أشياء لا تعلمها.
كنت أقول و فيما مرة :
نحن في حاجة لنبض من الشجاعة أكتر من أي وقت مضى ؛
نحتاج الجرأة في اتخاذ القرارات ،
نحتاج الشجاعة في مواجهة الآخرين،
نحتاج الشجاعة في مواصلة المسير نحو أهداف لا نعلم نصبها
نحتاج الشجاعة في الاعتراف بما يخالج ذواتنا،
نحتاج الشجاعة في كل شيء.