(1)

الشارع الرئيسي به زاويه ، الزاويه بها عدد لا بأس به من المصليين وخطيب ، خطيب حديث العهد بالخطابه غير أنه ذو حظٍ عظيم من العلم والحلم ،والثقافه والثقه واللين بالحكمه والموعظه الصريحه مستنداً إلي طيب القول والأحاديث الصحيحه يبدأ الخطبه وينتهي ،، ويقول علي الدوام معذرتاً ،،معذرتاً إن كان في كلامي شيئاً من القسوه أو إن أطلت عليكم ،ومعذرتاً إن لم أُطل وبدا لكم أني أطلت ثم بعد أن ينتهي من الدعاء وينادي أن (وأقم الصلاه ) يفعل شيئا سريعا لا نكاد نلحظه أو نُعيره إنتباهاً ،،يمسح أداة الصوت التي يتحدث خلالها بيده وهو يخشي أن قد تكّون عليه بعض قطراتٍ أو ماشابه أثناء حديثه ، هل يعني ذلك أي شيئ؟

(2)

أخر أيام الاسبوع أو كما أعتقد في وقت مبكر من الليل في منزل جدتي نجتمع،والفضل في ذلك يعود لله الذي أوجد من هُم مثل جدتي في نفس العالم الذي نعيشه لتتساوي بهما كفتي الشقاء والرحمه في ميزان الحياه ، مركز الشقه في المنتصف، تحديداً في الصاله أما مركز الصاله ليس في المنتصف وإنما في أي مكان تجلس فيه جدتي ويلتف حولها وعلي مقربه منها عدد كبير،، كبير لدرجة أنه في بعض الأحيان يصبح إنتقال أحدهُم من إحدي الغرف إلي المطبخ أو الحمام مروراً بالصاله مغامره خطيره يستحق صاحبها كل الشكر والتشجيع من الجالسين في الصاله ،، تبدأ المحادثات كالعاده هادئه خفيفه علي إستحياء بين اثنين أو ثلاثه علي الأكثر من جميع الجالسين في موضوع مُحدد ثم لا يسلم الأمر من أن يتحول إلي ساحه معركه صاخبه من الأصوات المتداخله بين خمس مجاميع فأكثر كل مجموعه تتكون من ثلاث إلي خمس أفراد وتتداخل الأصوات وتختلط المواضيع بحيث أن المرء حينئذٍ  لا يكون قادرا علي فهم ماهو السن المناسب و الأوراق المطلوبه لقبول كعكة البرتقال في المدارس الابتدائيه أو أي المكونات يجب أن تُضاف إلي  الأطفال قبل وضّعُهم في الفرن مباشرتاً ، ويزداد الصخب ويعُم وينغمس كلٌ في حديثه بحيث أن الشيطان ذاته لو مر في منتصف الصاله وألقي السلام وتوقف لإلتقاط أنفاسه لما ألتفت إليه أحد أو أعاره إنتباهه ، بيد أن الشيطان لايُلقي السلام ولن يكون قادراً ولوج بيتٍ فيه جدتي ، لكن الطفل البالغ من العمر عشر سنوات يقف في منتصف الصاله وفي داخله يعلم أنه لا يفقه أياً مما يتحدثون عنه ولن يستطيع الانخراط في الحديث لكنه يود لو يُعيره أحدهم أي انتباه ،، برغم كل شيء فإن الحديث الأكثر مللاً ليس أسوأ من التجاهل فيري أنه لا ضير من إفتعال بعض الأمور - جيده كانت أم سيئه لا يُهم -للفت الأنظار إلى أن هناك شيئا في وسط الصاله جالساً يكاد يشعر بالوحده رغم الزحام لولا أن صوتاً خفيضاً مستكينا متودداً آتياً من إحدي زوايا الصاله حيث تجلس جدتي يستوقفه متسائلا (أجبلك حاجه ياخويا؟،أعملك حاجه ياحبيبي )