يعاني الجيل المعاصر من آفة النمط المعيشي المتسارع والصراعات الدائمة المرهقة، وعلى الرغم من ادعائنا في بعض الأحيان بنعمة الحداثة والمجتمع المدني بحلته الجديدة، إلا أننا في صدد مخادعة أنفسنا فقط وتخدير أرواحنا المرهقة! فهل اعترفنا بانزلاقنا نحو منحدر مظلم؟ ألا أعطينا أنفسنا حقها ولو مرة واحدة؟
لو امتلكت القسوة أبناء فالحياة هي الابن البكر البار بها، فما أشد هذا على البشر وما أثقله على ذا الوعي والبصيرة "ذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ".
لم تخلو الحياة يومًا من المناطحات الثقافية والسطو على الأفكار والمعتقدات والهيمنة بالقوة، ولكن ما نعيشه يلزم منا حقًا التوقف للتأمل العميق لنرى أين نحن؟ وإلى أي مرتبة من الانحدار قد سقطنا؟
ما نعيشه الآن يمثل ذروة الصراع الأبدي بين القطبين، بين ضياء أقصى اليمين وغشاوة أقصى اليسار، بين أهل الغيث وأهل مطر السوء، فهل تفكرنا في حالنا يا صديقي؟ ألا نظرنا إلى موضع أقدامنا؟
عندما عصى ابليس ربه ونزل مجبرًا إلى الأرض وجهًا لوجه أمام عدوه الأبدي واللدود كان يافعًا مندفعًا يحارب مصارعه بقوة الجسد والسلاح، ثم لم يلبث حتى أدرك سذاجة موقفه وشرع في تصحيح مساره، حيث أتخذ من الإغواء سبيلًا نحو تحقيق أحلامه ووفائه بعهده أمام الله "قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين"، لذلك فقد سعى في طريقه بالوسوسة والتشكل على هيئات مختلفة للوصول إلى غايته، ولا شك أنه تطور ملحوظ يستحق التوقف والنظر، ولكن هل هو التطور الأخير؟
دعني أسير بجوارك في جولة سوداوية إلى أقصى الحدود، دعني أُصيبك ببعض اليأس والهزيمة، حيث الفتن المُغلفة بالذهب البراق والبضائع رخيصة الثمن من أجساد النساء، حيث القناعات والأفكار الشيطانية في مصاف قواعد رب العباد وأعظم الخطايا في مقام اللعب والترويح عن النفس.
هل ترى ذلك الرجل الذي يقف في حراسة الشيطان ومعاداة بني جنسه؟ لا تُصدم يا صديقي أنه الحال الغالب الأعم، فقد وقع هو وأقرانه في براثن لوسيفر وجيشه سواء لمال أو جاه أو لعبادة خالصة لمخلوق النار من دون الله.
قرأت منذ فترة عمن يقول "لو ظهرت السيارة في فترة هيمنة المسلمين وقوة علماء الإسلام لكان لها شأنًا أخر وتأثيرًا مختلف" يقصد التأثير الضار لهذا الاختراع على البيئة والغلاف الجوي، وهذا هو المغزى الذي أختم به وأُهديه إلى المتأثرين بالحداثة، فالعلم الحديث لم ولن يكن يومًا في مقام قواعد العلي الكبير، فلما قدستموه؟
-
الحسن بن سعدانجو من ضجيج العالم إلى مُلك الحي الذي لا يموت