لم أكن أسعد في حياتي كلها مما أنا عليه الآنْ، أتعجّبُ من هذا لأنني أعلم جيدًا أن شيئًا لم يتغير ولم يستجدّ شيء عليّ .. فمن أين أتتْ كل تلك البهجة التي تسكن روحي والطمئنينة التي أروح بها وأجيء !؟
ربما لأنني لم أكن أبسط مما أنا عليه الآن ؟ ..
تساءلتُ طويلًا عما إذا كان هذا الرضا وتلك السعادة هما ثمراتُ العيش البسيط التي أجنيها ! وعرفت الإجابة حين تأملت التغيّر الذي طرأ على الأشياء التي تبهجني وعلى الطريقة التي أستشعر فيها بهجتها ..
حينما أصبحتُ بسيطة وتخفّفت من ثقل كل شيئ لا يعنيني ، سمحتُ للبهجه أن تغمرني في كل لحظاتي .. وجدتُ في روحي سعةً لأستقبل بها الملذات البسيطة وأسعد بها حتى آخر تفصيلة فيها .. بتخلصي مما يثقلني وجدتُ في روحي سعة لأتأمّل ما يحدث بهدوء :)
عادت إلى روحي دهشة الحياة ! كدهشة الصغير الذي ينظر للدنيا بعينه الواسعة ويخاف أن يرمش فيفوته من جمال ما حوله شيء! .. بهجة اكتشاف الجديد فيما حوله وفي نفسه ! ..
في البداية كنتُ أنفّذ التبسيط بحذر وتوجّس .. تمامًا كالطفل الذي يستكشف شيئًا جديدًا لا يعرفه ولا يعرف كيف سيغيّر روحه ونظرته لنفسه وللحياة ككل !
والآن بتُّ أستمتع بالبساطة ! فقد علمتني أن أتأمّل "أقلّ" ما يبهجني كثيرًا ! وأهدأ وأستكين وأتنفس بعمقٍ، لأدرك عمق النعم التي تتيه وسط الزحام! وسط زحام النعم الأخرى ووسط زحام الأفكار والأشخاص والأحداث .. أن أحيا بمعنى وبعمق ! فأحيا أسعد وأرضى :)
حُبب إليّ من الدنيا صوتُ أساور أمي في معصمها وهي تفتح الباب كل صباح لتوقظني وصوت أساورها وهي تتحرك في المنزل يأسرني بجماله وبدلالته ! أحبّ حاسة السمع مؤخرًا وأحاول أن أتخيل حياتي دونها فلا أستطيع ولا أدري كيف سأشكر الله عليها بأكثر من التحدث عنها وعدم استخدامها فيما لا يرضيه ! وجدتُ كثيرًا من ملذاتي البسيطة في السمع .. كالاستماع إلى صوت تميم وهو يقرأ الشعر .. صوت الشيخ يتلو القرآن بجمال أخاذ، صوت العصافير حولي الآن وصوتُ الحمام في الحرم وهمهمة المصليين هناك ، صوت أمواج البحر .. أصبحتُ أكثر تعلقًا باستخدام الحاسة الواحدة .. اكتشفت ذلك عندما وجدُتني أميل للمقاطع الصوتيه .. فأضعُ سماعتي وأغلقُ عينيّ وأستمتع بما يخرج في أذني من جمال !
أستشعر نعم الله في جلستي مع أمي في المطبخ ننتظر نضوج الحلوى التي نصنعُ فالحديث الذي يدور بيننا حينها هو من أجملّ نعم الله عليّ .. أعتقدُ أن أجلّ نعمة في حياتي بعد نعمة الإسلام، والرسول، وأمي وأبي هي نعمة إدراك النعمة واستشعارها ..
-
زهرة الوهيديأكتب... لأنني أحب الكتابة وأحب الكتابة... لأن الحياة تستوقفني، تُدهشني، تشغلني، تستوعبني، تُربكني وتُخيفني وأنا مولعةٌ بهـا” رضـوى عاشور :)