الأمم التي يمكن أن يقال بأنها شيدت حضارتها هي تلك التي تتسلم زمام موطنها أيا ما كان قارة أو مجرد بلد مذ نشأته الأولى فتتعاهده في كل المجالات من زراعة وحرث وتعد وغيره حتى ينمو ، هل حدث ذلك في قارتي أمريكا الشمالية وأبرز دولها الولايات المتحدة الأمريكية واللاتينية وأبرز دولها البرازيل ؟

يوم وطئت أقدام المستعمرين الأوربيين ثرى القارة الأمريكية الشمالية ، كانت بالفعل تقطنها أجناس أخرى وهم من أطلق عليهم اسم "الهنود الحمر " نزل المستعمرون حاولوا انتزاع القارة منهم واستعبادهم حال فشلهم تمت ابادتهم ونجد تفصيلا لتلك الأحداث في كتب التاريخ وسطوره .

المهم أنه وبعد أن تسلموا أمر القارة الجديدة وجدوا أنهم ليس بمقدورهم النهوض بشأن القارة بمفردهم فهي لا تزال قارة بكر بها الملايين من الأفدنة يمكن استصلاحها وزراعتها فتفتقت أذهانهم إلى فكرة جلب أيد عاملة تنوء عنهم بمهمة إعمار القارة وتشييد الحضارة فيها ،وكان الرأي بجلب الزنوج من افريقيا .

اشتغل الأفارقة في زراعة مساحات شاسعة من الاراضي ،صارت على أيديهم جنات مثمرة واسعة ساعدهم في ذلك خبرتهم في زراعة المحاصيل وأدواتهم الزراعية التي حملوا أفكارها معهم من وطنهم الام افريقيا .

وبالسفر إلى البرازيل نجد بصمة بارزة للزنوج المسلمين هناك لازالت ساطعة حتى يومنا هذا حيث سيق الأفارقة ومعظمهم من المسلمين إلى البرازيل "وأعطت البرازيل طميها الأسود الخصيب .فالزنجي هو الذي صنع البرازيل هذه هي الحقيقة الكبيرة لم يكن ممكنا أن تتحول هذه القارة إلى أرض مأهولة زراعية ومدن ومناجم وطرق دون الزنجي الذي أعطاها جسمه وروحه معا وحضارته الإسلامية " *

نعم لقد عمل الزنوج بجد وإخلاص لإعمار تلك الارض وكل أرض جلبوا قسرا إليها فصنعوا منها حضارة ماكانت لتقوم بدونهم يقول فريري :كانوا يشكلون عنصرا نشيطا مبدعا ويمكن أن نقول إنه نبيل في استعمار البرازيل لايخفض من مكانته إلا انهم يعتبرون رقيقا !ما كانوا حيوانات جر أو عمال زراعة ولكنهم مارسوا دورا حضاريا بارزا كانوا اليد اليمنى في التكوين الزراعي البرازيلي ، البرازيل تدين لهم على الأقل بقصب السكر والقهوة التي جلبوها والتبغ والقطن والحبوب حتى الأدوات الزراعية الحديدية كلها وقد طورها الزنوج أنفسهم ،ليس هذا فحسب لكن التعدين في البرازيل واستخراج الحديد قد أخذا عن هؤلاء الافريقين كانت وسائلهم التقنية في ذلك أكثر تقدما من وسائل الأوربيين أنفسهم كذا رعي الماشية والطهي وغيره فقد أخذ عن هؤلاء .**

كان الزنوج أهم عنصر في عملية الأوربة كما انهم كانوا متعلمين حيث كان اسيادهم الأوربيون أميون وكانوا يتخاطبون من خلالهم ،كان تأثير هؤلاء الزنوج أصيلا خلاقا طور المجتمع في البرازيل بعناصر ذات قيمة من الحضارة الأفريقية وتقنياتها المتقدمة ،يومذاك ،لا على حضارة البرازيل ولكن على حضارة الولايات المتحدة أيضا .***

حتى لقد أقر البرتغاليون أنفسهم بأنه لولا العبيد الافارقة ما استطاعوا أن يجنوا ثمرة واحدة من البرازيل وما استطاعوا أن يفعلوا ما فعلوه .

لقد وصل البيض إلى القارتين مستعمرين لا يتقنون شيئا سوى الإستعباد ،لا يملكون حضارة وليس لديهم العزيمة اللازمة لإنشاء حضارة لا يملكون الصبر والجلد للحرث والزراعة وتشييد اقتصاد كبير يقوم بمنأى عن التجارات الرخيصة كتجارة الرقيق ،حمل عنهم معول البناء الأفارقة الذين دفعوا دفعا إلى تلك البلاد فعملوا وكدوا وابتكروا وتعاهدوا القارة حتى صبغوها خضراء يانعة باتقانهم لأعمال الفلاحة وسقوها بعرقهم ونشروا ثقافتهم فضلا عن كونهم خضبوها بدمائهم .

استمر جلب الافارقة إلى الأمريكتين عدة قرون يكد فيها الزنوج في العمل بالقارتين حيث الزراعة لمساحات ضخمة في ظروف مناخية لم يعتد البيض على تحملها ولم يكن لديهم القدرة والقابلية للبناء وغرس منابت التحضر .

لا نجور على أحد إن قلنا أن تلك الحضارة أنشأها الأفارقة وهم في غالبيتهم مسلمون وأن الفضل الأول في ازدهار تلك البلاد يعود إلى سواعد الأفارقة فضلا عن كون الأوربيين البيض ليسوا هم من اكتشفوا القارة كما زعم طويلا فقد كان يقتنها الهنود والشواهد كثيرة على أن ثمة أمم أخرى وطئت القارة عوضا عن كونهم ادع من عمروا القارة ونموها وصنعوا على ارضها حضارة زعموا جورا انتسابها لهم .

وكأني بكل أوربي ادعى نسبة الحضارة اليه أو إلى أجداده الأوليين "موطن لم تغرس فيه بيديك إياك أن تدعي أنك مؤسس حضارته "

* ** *** من كتاب "الأدب في البرازيل" تأليف د. شاكر مصطفى