حين يقف الإنسان عاجز أمام الأشياء, تعصف بما يحب, رغم ما بين يديه من مال وملك, يشعر حينئذ بالعجز الشديد, يثور ثورته, ويثبت لنفسه بأنه قادر على أن يحقق المستحيل, تموت أخته وعشيقته, يقف أمام جسدها الممد, لا حول له ولا قوة, تجعله يعيد إليها الحياة ويعيد إلى نفسه السعادة, التي كان ينعم بها بجوارها, تثور نفسه ويحاول أيضا أن يحقق المستحيل, بما يفرضه بحكم أنه ملك, وقادر فيميت من يريد بلا سبب, ولا جريرة, ويترك من يشاء, حتى ولو كان مذنبا, يستحق القتل, فيظن بذلك أنه يحقق المستحيل, بأنه بنفذ مشيئته هو, كأنم أراد أن يكون بما يفعل إلها يضاهي من حكم على أخته بالموت, فالحياة نعمى كبرى والسعادة بها هي أفضل ما يحققه الإنسان فيها, فإذا ما حل الموت يحصد الأرواح, وينهي الحياة, تشك في جدواها, وإنه طالما أن هناك موت فلا سعادة منتظرة, وأنها وهم كبير يضل الإنسان نفسه به ويأمل ويرجو, فيخيب الرجاء وينقطع الأمل, فهل الحياة, بلا جدوى وعبث لا حكمة منها, ولا فيها وتظل تطارده الهواجس بينه وبين نفسه, فيشل عقله من قسوة ما يدور في فيه أسرف في الجبروت, حتى ضاق الناس بأوامره ونواهييه, وما يتفتق به ذهنه من أمور لا تصدر إلا عن مجنون أو معتوه, يفرض مجاعة على الشعب بأكمله يفرض عليه الضرائب ويرث الأغنياء والأمراء, ويفتح دار لممارسة البغي والفجور, تديرها نساء الطبقة الغنية, ويقوم بإذلاله يقتل الأباء ويفتك بالأبناء, لم يعد من يأمن على نفسه وبنيه, وينتظر الكل الإطاحة به في أي لحظة لا يوقفه رادع من دين أو ضمير وتمر ثلاث سنوات في هذا الظلام الذي كسى البلاد والعباد, كل ذلك وكاليجولا ممن يتسمون بالذكاء والفهم فلا يغيب عن عقله ما يدور في رؤس من يحيطون به من سأم وضيق بما يفرضه عليهم وهو بذلك يهدم كل مؤامرة تحاك من خلف ظهره وكان أيضا على علم بمقتله شاء ذلك أم لم يشاء فاخر أعماله وحماقته هي أن يجتمع الناس على إغتياله لتستريح منه العباد ويقضوا على تهوره ونزقه ثم حتى تفلح في نهاية الأمر على القضاء عليه والخلاص منه ....فالسؤال الذي نسأله هل بإمكان الإنسان أن يتحول كل هذا التحول حين يصدم في هوى أو يطعن في رغية يتحول من النقيض إلى النقيض من ساحة السعي في الخير إلى إعتناق الشر دينا ومذهبا, بعد أن كان أقرب إلى الملاك فإذا بك شيطان رجيم تمحو كل خير وتسعى في الشر بكل جبروت إلى أن تتفن في العذاب في تنغيص الحياة على إنسان وألا تستثني منها قريب أو بعيد وتمعن فيه كما كنت من قبل تمعن في العشق والنبل أهو الموت هذا اللغز الأبدي الذي يقف أمامه الإنسان مذهول عاجز لا يحرك أمامه شيء وهو يبطش بمن نحب, ثم نتلقاه عاجزين

كان شابا في ميعة الشباب والحياة واسعة الأطراف والسعادة ينهال منها كما يشاء المال والملك والحب, يملك زمام الحياة بين قبضتيه, فإذا بأخته وعشقه وقد انتزعها الموت من بين يديه, يدور حول نفسه فيشعر بالعجز أمام هذا الكائن الهائل الجبار الذي لا يقف أحد أمامه فيمنعه ومن يستطيع أن يوقفه, يتأمل الجثة الهامدة فيتحول يعود بغير القلب الذي كان, ولعله تساءل فيما بينه وبين نفسه عن جدوى الحياة وإذا كان كل شيء نهايته الموت, فكل شيء سواء الخير كالشر والطيب كالخبيث والنور كالظلمه, الكل سواء والكل إلى فناء فما جدوى أن نحيا أن نحاول أن ننال السعادة التي تموت هي أيضا, ماتت دروزيللا وهي لم تتجاوز الثامنة عشر, فلماذا جاءت وهي لم تعرف الحياة بعد, ولم تنال من السعادة إلا أقل القليل, إذا سنة كألف, مدام الموت قائم يجثم على صدر الكائنات, فلو تحقق المستحيل, فلو حصلت على القمر, لو بطل الموت, ولكن هذا شيء مستحيل, ما أقبح الكلمة, وعجز الإنسان, ولا بد أن أحقق المعادلة الصعبة أن أتمسك بالمستحيل, وعاث في امبراطوريته يقلب الموازين يفتك بالأبرياء ويذل ذوي العزة والكرامة, ولا يبقي على شيء في سبيل تحقيق المستحيل.