استلمت الأصل
يسرى محمود السيد
نشر في 07 ديسمبر 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
تفكرت وأنا أشاهد بعض حلقات برامج الكاميرا الخفية فى التسعينات ؛ أى منذ سنوات قليلة .. حيث الناس مختلفة تماما عن الناس فى هذا الزمان إنهم محترمين فى ردهم ، مهذبين فى غضبهم ، هادئين عند استفزازهم ، وقلت فى نفسى لو حدثت هذه المواقف فى الوقت الحالى ماذا سيكون رد فعلهم ، لاشك فى أن المذيع سيتفاجأ بمطواه فى جنبه أو سكين فى عنقه أو طلقة فى رأسه ، ناهيك عن الألفاظ النابية المألوفة فى هذه الأيام.
إذن ماذا حدث فى تلك السنوات القليلة جدا الفائتة لأخلاق الناس هل تغيرت ؟ الإجابة لا .. بل تدهورت .. انحدرت فى نفق مظلم ليس فيه ثمة بصيص نور ولم تخرج منه إلى الآن ، ماالسبب لا تسلنى عن السبب فالأسباب لا تحصى من حولنا وفى أنفسنا
انحدرت الأخلاق تدريجيا مع انتشار الإعلام تدريجيا ، أكثر من مائة عام من محو الهوية ، أصبح ما يوجه عقولنا وأخلاقنا ليس فى بيوتاتنا فقط بل فى جيوبنا وفى أيدينا وفى آذاننا وأمام بصائرنا ، ينقل لنا أسفل مافى المجتمع مكر الليل والنهار لا نستطيع منه فكاكا ولا متنفسا ولا حتى التفاتا ، صرنا نضحك على السفالة ونصفق للوقاحة ونستهزأ بالمحترمين ونسب الملتزمين ونشجع العرى ، وأصبح ذلك منهجنا الحديث فى أمور حياتنا كلها فى كل مكان وفى أى وقت
إننى أنظر للناس من حولى ما الذى حدث لهم أراهم يعيشون لوثة وتوهان فى دوامة العبثية يتقلبون فيها مستسلمين مرهقين من المقاومة لا يبالون فى أى قاع مظلم تغرقم تلك الدوامة
لقد بُعث عليه الصلاة والسلام في جاهلية قوم سادت فيهم خصال حميدة وأخلاق فضيلة وقيم وتقاليد عظيمة، وكانت بعثته لإكمال هذه الفضائل وتلك الأخلاق، قال رسول الله بعثت لأتمم مكارم الأخلاق لا لأعلم مكارم الاخلاق فلم يبُعث لإزالتها أوتغييرها إنما بُعث لإتمامها، وكانت العرب تفتخر بتلك الأخلاق على بقية الأمم، مما كان حرى بهم أن تنزل فيهم خاتمة الرسالات وكانوا أولى الناس باختيار الله لهم لنزول رسالته وحملهم الأمانة ، فالأخلاق كانت متواجدة ابتداءا قبل الاسلام وخيركم فى الجاهلية خيركم فى الإسلام .. ذلك لأن الأخلاق لاتتعلم بل تتوارث فالأخلاق ينشأ عليها الطفل فى مجتمع الأسرة انطباعا فى سلوكه وليس تعلما من خلال التطبيق العملى للأسرة أمامه وهو يتشرب ذلك من الملاحظة.. وجاء الإسلام ليتمم الأخلاق ويثيب عليها ويلمعها ، وكان الرسول قبل الرسالة صادقا أمينا فكان جديرا بحمل الرسالة فأصبح على خلق عظيم بعد حملها ، وهكذا فإن أى إنسان يتميز فإنما يتميز بالأخلاق قبل العلم وعندئذ يحق له العلو والإحترام والرفعة وتحمل المسئوليات والسيادة فى الدنيا ، وحق له الخلد والذكر الحسن بعد الوفاة ، وما أحوجنا اليوم لأن نتأمل في أخلاق الجاهلية التى وثقتها كتب التاريخ والتي فقدناها حتى في ذلك الزمان ، وأين هذا من ميوعة شباب اليوم، وتفاهة أفكارهم وتصوراتهم وهمومهم ، فأصبحوا ليسوا أهلا لحمل الرسالة أو النهضة أو الحضارة
إذا أردت أن تأخذ هدنة وتنظر من الخارج لتعرف فارق الأخلاق فلننظر فى الماضى القريب إلى أجدادنا ؛ كيف كانوا يتعاملون .. كيف كانت الأخلاق فى ذروتها.. تلك القصص والحكايات التى نرويها فى مجالسنا عنهم ، منا من انطبع على هذه الأخلاق واستمسك بها وعض عليها بالنواجذ ، ومنا من انفلتت منه وكان أمره فرطا ، ومنا من لم يجدها أصلا عند الأولون من أجداده
إن المفارقة والأمر الشديد على النفس فى هؤلاء الذين انطبعوا على حسن الأخلاق وورثوها حين يتعاملون مع أجيال ناشئة على البذاءة والسفالة فى التعامل ، إنه ليس صراع أجيال بل صراع أخلاق وتربية
أصول التربية والأخلاق لا تعلم بل تورث .. وأدعى أننى استلمت الأصل
يسرى محمود السيد
الخميس 8/12/2016