التقرير الثالث - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

التقرير الثالث

فتى الميلاد

  نشر في 25 يناير 2020  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

" في قلبها منك شيءٌ تُحبُّ ألَّا يظهر لك، وتحب كذلك ألَّا يُخفى عليك ".
- مصطفى صادق الرافعي.

     "إلى تلك الفتاة الحزينة التي في آخر المقهى، ما بكِ؟ كلاهما المكان والملامح هو هي. تتأملين وتقرأين. وتقدّمِ النصائح لساقي النبات أن افعل ولا تفعل وهل تعلم أن نبتة "الديفنباخيا" سامة ؟! لتدخل أشعة الشمس إلى مقهى "كرو" ما دمتِ موجودة، فلا ضوء إلا بوجودك. رغم ملامحك الحزينة. المتأملة. رغم كل شيء إلا أني أشعر بالأمان بوجودك. تعلمين؛ هنالك غيمة حزينة تزورنا عندما تذهبين. وعند وجود ملامحك الحزينة تذهب؛ هل تظن الغيمة أن ملامحك ستمطر علينا نفس الشعور ؟ لا تعلم أن ملامحك -رغم حزنها- إلا أنها غيث لكل فلاة خالية. تُنبِت الصحراء وتُزهر عندما تراك. فكيف لو أحبتك؟"

كان هذا هو الإيميل الأول من السيد برو إلى السيدة "رام" .. 

في الثامن عشر من يناير 2020م:
السيد "برو" ومكتبته المتنقّلة كما تقول السيدة "رام".

     عند ساعات الصباح الباكرة كان قد تلقى السيد "برو" إيميل من السيدة "رام" أن عند صانع القهوة دفترٌ لك؛ كان قد أهداها ذلك الدفتر لأنها تحب الكتابة كما يُحب. هنالك كلمات يجب أن تقرأها. فيكون من عز عنفوانه إلى خضوعه أمام قلمها كلما قرأ لها. كيف سيكون الآن وهو يقرأ قلبها بخط يدها؟ أخذ الدفتر والتقى بها في يوم ميلاده -22 يناير- وقرأه في ذات اليوم. ليس في كرو هذه المرة، بل في مكان أنيسته. علّه يعوض ذلك الشعور الذي كان قد خطط أن يكون إلّا أنه لم يكنْ..

     سأعود إلى الرسالة بعد أن يحكي لنا "برو" عن السيدة "رام" بمناسبة يوم ميلاده 22 يناير، ففي هذا اليوم احتفل به الكثير، عمله أن زاد عليه العمل و"رام" أروَت روحه بلقائها. 

     قبل عام كانت اللمحة الأولى لتلك الفتاة الحزينة التي في آخر المقهى. في نفس يوم ميلاد "برو".. ذكر لي "برو" أنه وُلِد ذلك اليوم مرتين. وكان سوف يغرد في هذا الميلاد أنه ولد مرتين لو أن ذلك الأمر حصل. ذهب لحسابه في تويتر ومسح التغريدة من المسودّات التي كتبها قبل موعد ميلاده بشهر؛ في هذا اليوم 22 يناير 2020 ولُدِتُ مرتين. فاليوم يوم ميلادي واليوم ...


     "أن تجد اللطف بعد سنوات من القسوة.. يا برو". يهمس بهذه الكلمات صديقه "فاء"؛ فاء مازال يعاني من الحياة لدرجة أن الحياة قد يئِست منه. متماسك رغم تفككه الدائم. يرتدي درعه ويمتطي حصانه وهو في معركة الحياة لم يتراجع ولم يهزم تلك الهزيمة التي ستُقسِم ظهر حصانه. تخيفه الهزائم الصِغار التي ذاقها كثيراً. يخيفه أن يُهدم كل ما بناه بسبب موقف عابر تافه صغير باسم الحب ربما. أن يحصّن قلبه رغم جسمه الهزيل ثم تأتي ليلاه لتهدم كل ما شيّده. أليس الحُب أضحوكة الأساطير؟ ألسنا نحن من نصنع الحكايات الوهمية ثم نبيعها لجيلنا؟ وتستمر الأسطورة لا تموت. يُنسون الأبطال وتبقى الأسطورة. والنسيان حتمي لا محالة. كان يردد السيد "فاء" على السيد "برو" مثل هذه الأفكار كثيراً.. أخافته الهزائم حتى تخلى عن معركته.

     يعرف السيد "برو" السيد "فاء" جيداً، فهو وإن تخلّى سيعود. لا لقوة إرادة بل لصلابة العناد الذي ورثه من أجداده. كانت الصفة الحميدة الوحيدة التي ورثها كما أخبرني.

     كان قد وجد اللطف السيد "برو" بعد أن قابل السيدة "رام" في نفس يوم ميلاده؛ هل رب القدر أراد له أن يولد من جديد .؟ فما زال العالم بحاجة لعطائه ؟ فهو المنصت لأحزان من حوله وهو المعالج لجروحهم. الحكيم في ظل الأزمات. الضّحوك عندما تستدعي الحاجة. يبكي عندما يبكون -بدون أن تسقط دموعه- ويبتسم عندما يضحكون. كأنه خُلِق لهم لا لنفسه. إلا أنه يجد نفسه في هذا؛ السعي لأجل الآخرين. هل قلق المكانة ما يحفزه على الاستمرار لكي لا يُهمّش ؟ أم نوايا أنْبَلُ من كل تفسيراتهم المادية ؟

     حزينةً كانت. حاصرته بملامحها الطفولية، ففي كل الوجوه يراها وعند انكاسات المرايا وفي عيون المارة. تستحي عندما تسمع اسمها يَنطِق به "برو". تخجل ذات الحياء الملائكي من كل الرجال ومن "برو" تحديداً. ابتسامتها كفلق الصبح. عيناها العسلية شابهت عين "برو" الناعسة! تحب الرسم وتخجل أن يرى أحد فنّها. كانت قد قرأت كتاب (الأيام) لطه حسين في سادس ابتدائي. فهي تقرأ ماوراء الشخصيات منذُ الصغر. شاعرة. عقلٌ نَشِط. قد وصفه برو أنه أنضج من التمر عندما يتحوّل إلى خمرة. أخاف أن أصفها أكثر ويغار ذلك "الدلو" الذي لا يُظهر مشاعره.. سأكتفي هنا وأعود إلى ثاني لقاءاتهم الفكرية.

     في مدخل ذلك المقهى كان لقاؤهم.. ما أطيب اللقيا بميعادٍ مُنتظر. أن يوافق ذلك اليوم يوم ميلاد السيد "برو" فهذا مالا يُتوقع. عصافير الصباح قد استيقظوا والتقوا. وكان قد أخبرني "برو" أنه إذ يلقاها لا يرى إلّاها. فالمخرج يقول "أكشن" والمشهد يبدأ ولا ينتهي. ويعلم كل من في المكان بوجودهم وهم لا يرون أحداً ! عشرات الملامح تدخل ولا ملامح إلا ملامحها. يلتقي القُرّاء فما ظنك بأحاديثهم ؟ فيهيمون في كل الأودية إلا ذلك المقدّس، لا يذكرونه أمام بعض. فلو ذكرت كلمات الحب بينهم لحلّقى كالطائرين؛ لا سقف يكون إلا سماؤهم. ولا أرض تحملهم. وبين الأرض والسماء يحلّقون.

- لكل إنسان بصمته الروحية التي تشكّل فنّه الخاص

يقول ذلك السيد "برو" للسيدة "رام" وهو يناقش الفن كما جاء في عين علي عزت بيجوفيتش!

- ما هو الفن سيد "برو" ؟

- كل قدرة للإنسان على التعبير والتي يُرى فيها روحه!

- امممم أظن أنك تحاول ادعاء العمق، لكن دعني أؤكد على كلامك بقولٍ مشابه:

عندما نقول أن الفن هو البصمة الروحية فنحن نشبّه فن كل إنسان بتفرّد بصمة إبهامه! صحيح سيد "برو" ؟

فضّل الصمت السيدة "برو".. واكتفى بالابتسامة. 

- عندما أرفض أن أرسم أمام الآخرين أو أن أعرض لوحاتي الخاصة فأنا لا أريد للناس أن يكتشفوا تراكمات بصمتي الروحية من تجارب قاسية وجميلة بنفس الوقت. فكلما زادت خبرة الإنسان وتنوعت مصادر المدخلات لديه تكوّنت بصمته الروحية ونضجت أكثر. فوقوفك أمام لوحة عظيمة ولا تفهمها لا يحق لك نقدها. تعلم لماذا؟ لأنك إن لم تفهمها الآن وهو أمراً طبيعي، فبسبب أنك لم تغذي عقلك بما يكفي من الفنون لفهم تلك اللوحة؛ ذلك البيت الشعري، ذلك النص الأدبي، ذلك الخطاب الفصيح، لغة الجسد تلك.. إلخ من أنواع الفنون - واعذر لي إن استطردت كما رضوى - فالفن هو التعبير. فلكل إنسان طريقته الخاصة بالتعبير. عفواً لنعود. أمثّل على مثال اللوحة كقراءتك لكتاب ثقيل معرفياً ولغوياً وقد قرأته في بداية تعرفك على الكتب ولم تفهمه ثم أخرجت سوط النقد من جيبك وبدأت تجلد الكاتب وفلسفته الضعيفة وكتابه الذي أُعطيَ أكثر من حجمه! كيف ستكون نظرة مُنحنوا الظهور من كثرة القراءة، لك؟ ستكون كالنملة أمام سليمان.

- هل تقصدين أن هنالك أعمال أدبية فنية خالدة؟ لا يحق لنا نقدها؟ ظنًّا منك أننا لم نمتلك من المعرفة ما يكفي لذلك؟ أو لم نُغذي بصرنا بأعمال فنية تكفي لأن تخلق لنا تصور، هذا التصور سيعطينا حق للنقد لأننا نرى عمق الأشياء التي لن تظهر لنا ونحن سطحيين المعرفة ؟

- نعم صحيح.

ربما تكون متطرفة بالرأي، إلا أنها دوماً ما تُقنع السيد "برو"، وهذا أحد أسباب إعجابه بها.


بدأ يفتح قلبه السيد "برو" لي وبدأت أعرف أكثر عن السيدة "رام"؛ الفتاة الحزينة في آخر المقهى. مازالت هنالك تقارير كثيرة وفرصة للحديث عن علاقتهم أكثر. سأحرص على تخليدهم. للحكاية بقية كما هي العادة في كل تقرير. التقرير لمحة لاسبوع برو، لا كُلّه ولا جُلّه. بل لمحة من فيلم لم ينتهي تصويره حتى الآن. تحياتي..


- كُتِب 25 يناير 2020م 

#تقارير_السيد_برو



  • 3

  • محمد الشثري
    خرّيج إدارة .. وأرى التأمل أسلوب حياة .. والقراءة فرضُ عين! .. والكتابة سعي للبقاء .. وأحاول أن أعيش أكبر قدر ممكن من التجارب ..✨
   نشر في 25 يناير 2020  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

وصفك للاحداث والمشاعر يجعل القارئ يتمنى الا ينتهي المقال
0
محمد الشثري
شكراً مهاجره
asma.yasser منذ 4 سنة
جميل جدًا. أحببت مناقشتهم عن الفن
1
محمد الشثري
قراءة ممتعة

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا