الفطر الذي غير التاريخ
رون شيجيتا
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو
نعيش في بحر من الكائنات الحية سواء في داخلنا أو حولنا.
وقد يوجد أكثر من تريليون نوع من الميكروبات على الأرض تسبح في الغيوم وتساعد على تشكيل المطر والثلج وتحيا في الينابيع والفتحات المائية الفائقة الحرارة وقد تزدهر على عمق كيلومترات قليلة تحت سطح الأرض.
كتب الدكتور نيكولاس موني أستاذ الميكروبيولوجيا في جامعة ميامي-أوهايو عدة مؤلفات تجوب هذا العالم الميكروبي الشاسع وخصائصه العجيبة والمدهشة.
ويسجل في كتابه الأخير”إرتقاء الخميرة” علاقتنا التكافلية الحيوية والحضارية والطهوية مع إحدى تلك الكائنات: خميرة الخبزوالتخمير Saccharomyces cerevisiae
وكيف شكلت التاريخ.
تستطيع العديد من الكائنات تخمير الخبز من خلال تحويل السكر إلى ثاني أوكسيد الكربون ولكن هذه الخميرة تصنع الكحول أثناء العملية مما يبعد الميكروبات المنافسة. وقام هذا الكحول بالحفاظ على بادئات الخميرة نقية في المخابز لتوفر التخمير لأجيال عديدة.
وصلت هذه الخميرة موائدنا عبر أوائل النبيذ. حيث كانت نسبة الكحول مرتفعة بنسبة كافية تمنع الفساد وأصبح النبيذ سلعة شكلت طرق التجارة وألهمت العظماء والحضارات وربما ساعدت في تكوين الذكاء البشري. ولا تزال الخميرة تحرك ليومنا هذا شؤون البشر.
فهي حجر الزاوية لنظامنا الغذائي العالمي وتفتح لنا نافذة على آليات الحياة.
وحكاية تطورنا المشترك مع الخبز والجعة حكاية شائقة في كتاب موني. حيث كان تناول الخبز المخمر طوال معظم التاريخ الإنساني تجربة غير متوقعة. في بعض الأحيان كان مراً وفي أحايين أخرى حلو المذاق تبعاً لنوعية بادئات التخمير التي إستخدمها الخبازون .
كان ذلك التباين في مذاق الخبز مقبولاً إلى حد ما ولكنه لم يكن متحملاً عند شراء الجعة المنتنة. ولذلك انتهج المخمرون نهجاً أكثر صرامة. وقاموا بتتبع الخمائر المحددة التي أنتجت أجود أنواع الجعة. وأسسوا خلال تلك العملية — بما في ذلك كارلسبرغ وهي شركة لا تزال موجودة لغاية اليوم- قواعد علم الميكروبيولوجيا الحديث.
عزلوا واختبروا سلالات معينة من الخميرة وابتكروا مجاميع من النكهات والنوعيات الفريدة خلال تلك العملية.
اكتشف الخبازون الذين استخدموا الخميرة من أحواض التخمير طريقة صنع اللفائف الحلوة في أواخر عام 1899 عن طريق استبدال البادئات التقليدية بمستحضر نقي من خميرة السكيراء.
وفي غضون 40 عاماً انتشرت مصانع خميرة الحلوى عبر أوروبا وأمريكا وأصبح الخبز متجانساً إلى حد كبير.
ولذلك يبدع الخبازون لذائذ متماثلة الطعم سواء تناولتها في بانكوك أو لندن أو أوهايو ولهذا تجد مظاريف الخميرة على أبواب الثلاجات في شتى أنحاء العالم.
تنبأ عالم البيولوجيا الألمعي إدوارد ويلسون في كتابه “البيولوجيا الإجتماعية والتوافق” بأن البيولوجيا ستمكننا من رؤية أنفسنا بنقاء أكبر كحضارة ونوع.
ويحاول هذا الكتاب نقل تلك الصورة لإنه لا يتحدث كثيراً عن الخميرة بقدر ما يتحدث عنا وتطورنا المشترك مع الكائنات الدقيقة. فالميكروبات أكثر أهمية من كونها مصدراً للأمراض والخراب والتحلل ويساعدنا البحر الميكروبي على تشكيل حضارتنا. وكان تسخير خميرة الخبز نقطة البداية وفي حركة الزراعة الخلوية الحديثة ستصبح الميكروبات الأساس الكامل للغذاء ويتطور البشر والكائنات الدقيقة سوية من جديد
المصدر:
https://medium.com/neodotlife/review-of-rise-of-yeast-by-nicholas-money-a13409d9304c
-
إبراهيم عبدالله العلومهندس زراعي. مترجم.