الشكليات الشعرية المتداخلة في قصص الكاتبة عبير فوزي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الشكليات الشعرية المتداخلة في قصص الكاتبة عبير فوزي

دراسة في مجموعة طوقني حتى الموت القصصية

  نشر في 26 يوليوز 2020 .

الإيهام السردي والذات المأزومة

في

مجموعة (( طوقني حتى الموت)) القصصية

للقاصة : عبير فوزي

بقلم : حسن غريب

كاتب شاعر روائي ناقد

________________

قد يشي عنوان هذه المجموعة القصصية " طوقني حتى الموت " الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة فرع الوادي الجديد ـ الخارجة ـ لعام 2007 م للقاصة عبير فوزي .. قد يشي للوهلة الأولي ـ بوضوحه وسهولة استنتاج دلالاته , فما أيسر علي عين المتلقي أن يبصر التطويق حتى الموت بل أنه يزداد وضوحاً وتميزاً عندما يكون الموت سيتيح لها أن يفقأ عدد السنوات ليتحول إلي لاشئ ولا شئ كان بين اليدين

إنه دال قريب التناول سواء دلالته البصرية , أو في معطي بنيته اللغوية , المتوخية تنكير فعله ( طوقني ) وتوابعه ( حتى الموت ) وتوابع كل منهما تنكيراً يكاد ينطق بالعزلة والانكسار

إن هذا العنوان القريب في التناول قد يغري إنسانا ما بمحاولة الإمساك بالمجموعة القصصية ليستفسر عن ! لماذا كان الدال " طوقت " ؟ وكيف صارت درجة التطويق حتى وصلت إلى درجة الموت ؟ وماسر التطويق بالموت ؟

مثل هذه التساؤلات تحتاج إلى الاقتراب والمزيد من المعايشة مع الدال ( المجموعة القصصية )

ولكي تكون الرؤية قريبة فاحصة ، فإن الرمز يلزمه نوع من القراءة اللصيقة لنصوص المجموعة

ومع قناعتنا باختلاف مستويات القراءة وتعدد مداخل التأويل وإنتاج الدالة ، على الأقل – على مستوى المتلقي المحترف أو الناقد المتعمق – فإننا نرى أن أسلم هذه الطرق جميعاً هي مااقترب من النصوص نفسها في محاولة الولوج إليها عبر أعتابها ومفاتيحها ، والتعامل معها بأدوات تنبع من ذواتها ، بمعنى ، أن نتعامل معها بمافيها من خواص ، لابما نختزنه نحن فى الذاكرة من مقولات جاهزة أو اجراءات محفوظة قد تتسع رؤاها أو تطبيقاتها ، فتضيق تارة وتحار معها المقولة ، أو تحاول تارة أخرى أن تتعسف فتستنطق النصوص بما فيها ، وعليه – فبمجرد إدارة مفتاح النص والولوج من عتبته ( عنوانه ) سنجد أنفسنا أمام ( الجسد ) وفضلاً عن كونها العنوان الرئيسى للمجموعة القصصية ( طوقنى حتى الموت ص 77 )

وأن وضعيتها ليست محض صدفة

وأن دال " الجسد " تردد سبع وعشرون مرة على مدار معظم قصص المجموعة تقريباً

وأن الموت تكرر " 16 " ستة عشر مرة وأن " القبلة " تكررت "12" اثنى عشر مرة وأن علامات الاستفهام استخدمت بين النصوص "20" عشرون مرة ومن ضمنها استخدام القاصة فى عنوان القصة " طوقنى حتى الموت " ست عشرة مرة

وأن هذا العنوان نفسه تكرر بألفاظه فى ثنايا السرد بالقصة " طوقنى حتى الموت " وهى القصة عنوان المجموعة

لكل هذه الاعتبارات مجتمعة يصبح فى الإمكان – أن ننشر الرؤية القريبة الفاحصة التى نتوخاها – من خلال ذلك " الموت " الدال ، وهو وإن كان متنوع فى قصص المجموعة بنعوت من قبل : الشارع كان شديد العتمة ، تدوس على الأرصفة المظلمة ، لتنكسر تحت قدمك إلا أنها أطلت دائماً فى القصص على حواديت الأزقة أو ماتخبئه الجدران فى شقوقها " قصة فعل فاضح " هكذا حرر ص86 يستطيع المتلقى كما استطاعت المؤلفة نفسها – أن تحدد كثيراً من ملامحه وتفاصيله

وقصة " تعب فى جسد جنوبية ص 2 " التى تتآلف من خمس صفحات فقط ذات القطع المتوسط والمعالجة بضمير المتكلم – قامت بتصوير مشهد بعين كاميرا الراوى من ثلاث نقلات حرصت فيه عدسة الراوى أن تتحرك فى مكان ينفرد رؤيته بامتداد البحر مفعم بجو من الفراغ وتشمم رائحة فرعونية لتمسك بمفتاح الحياة

ابرز مافيه هو أنها كانت تحصد وجوه المارة التى لاتفعل سوى التحديق فى وجهها

وتبصر بطلة القصة التى تبدو مأزومة مرتعدة فقامت بتمزيق غلاف العلبة التى تعرت كل اللفائف بعدها أمامها وحين قامت الكاتبة بتصوير هذا المشهد الحزين ذى اللقطات السريعة ، استعانت فى سردها التصويرى إضافة لتقنيته عدسة الكاميرات بلغة مقتصدة ومكثفة شديدة الإيحاء – لغة لم تقصد من استخدامها مجرد التركيز وعدم التزيد اللغوى وإنما قصدت بها أيضاً إحداث نوع من الإخفاء أو مايمكن أن نسميه بلاغة التعمية وعدم الإفصاح وهو مايلاحظ فى قصص المجموعة كلها ، هذه البلاغة التى توسل بها السرد ، تراوحت بين مستويين :-

أولاً : مستوى " الإٌضمار" فى بناء الحدث وانتقالاته

ثانياً : مستوى " المواربة " فى استخدام اللغة ، مواربة تترك فراغاً لتنفجر فيه طاقات الألفاظ الإيحائية والدلالية ، وأما الإخفاء الذى يغلف السرد فربما تكون محاولة من القاصة لدفع متلقيها فى أن يبذل نوعاً من الجهد ومشاركته معاناة الإبداع ، وترك مساحة أكبر من التخريجات والعديد من التأويلات مثل !

" ضجيجهم كان يخرج من شفتيهم ليتسلل شقوق الغرفة ليسد فتحاتها المظلمة"

الطريق أمامى للبيت ممتد وفكرة الخروج مازالت تستدعينى من أقاصى جسدى من قصة " اشتباك ص 20 "

هل هذا الجسد الذى ينوء بحمل نفس الاستدعاء ، سقط بين ضجيج وتسلل شقوق الغرفة ؟ أم أنه تم سد فتحاته المظلمة قبل أن يصل أمام البيت الممتد لفكرة الخروج ؟ أم أن الأمرليس هذا ولاذاك ، وإنما كانت المأساة نوعاً من الموت المعنوي مع استبعاد هذه الفرضية الأخيرة ؟ وذلك لوجود ظواهر مادية واضحة الحدوث شكلاً ومضموناً مع كاستدعاء الجسد من الأقاصي مع ملاحظة استخدام الاسم " زال " أى أنه تم بفعل فاعل ولكنه غير معروف ، ثم تم إخفاء الجسد تماماً بعد ذلك

وأما كيف تبحث عن بروز أو خطوط تدلها على بداية جسدها دون فائدة فلم يسفر السرد ولم يفصح ، وإنما عبرعن الاختفاء " قطعة جرانيت " وهو يحتمل تفسيراً واقعياً في تغيير اللون للسحب وتقلباتها ، ويحتمل اللفظ " تحايلها الشمس للسقوط "ص 6 " أيضا بمراوغتها أن تجرنا القاصة إلى مناطق من الأثيرية والأسطورية يمكن أن تذهب معها التصور والخيال مذاهب شتى

والسرد إذ يتحرك في اقتصار وحذر ، داخل حيز مكاني محدود كما هو في أغلب قصص المجموعة ، فهو في أثنائها يأتي مترجماً لانفعالات الشخصية النفسية وانتقالاتها الداخلية المعتملة حتى نكاد نسمع فوران هذه الاعتمالات التي تنعكس ، على سلوك بطلة القصص وحركتها حيث تبدو أكثر اضطراباً وتوتراً

في قصة " انفصال " ص7 تصف القاصة حالة البطلة بضمير المتكلم قائلة !

"نزلت برجلي – الحبل السري ملفوف حول رقبتي زمزمت – أم مناع الداية ومطت بوزها الناشف والمتداخل في عظام وجهها البارز

محاولة للتشبث محاولة للانتحار "

وإذ تجتهد الكاتبة في تخليق صورها ومجازاتها الاستعارية حتى تكون أقرب إلى الجدة والطرافة ، نجد عبارتها حريصة على أن تكون هذه الصور والمجازات موظفة توظيفاً عضوياً بحيث تكون ملتصقة بلحمة السرد وممارسة لفاعليتها في كشف الملامح القارة في أعماق الشخصية وإثراء الجو النفسي العام ، والذي رسمت ألوانه القاتمة وظلاله الموحشة أزقة أبطال قصصها ومصائرهم التراجيدية ، وكلهم يبدون شخصيتها ذات ملامح واحدة ، تعانى الوحدة والاغتراب والخوف والإحساس بالفقد على المستوى الذاتي المحبط والعاطفي المحروم والمجتمعي المسلوب المقموع ، فكان طبيعياً أن تبدو الشخصية وهى في أغلب قصص المجموعة

وإذا كانت ملامح بطل قصص المجموعة تكاد تكون واحدة ، إلا أن الكاتبة لجأت إلى تنويع تقنياتها التي تبنى بها الحدث فهي مثلاً :

تلجأ إلى تقنية التداخل الزمني كما في قصتي " انفصال " و " مجئ "

وتقنية البوح والاعتراف الخالط بين الوهمي والحقيقي ، الواقعي والكابوس تحت تأثير الوعود الكاذبة والخبر المفزع لمن يحبها والإرهاق الجسدي والنفسي كما في قصتي " أندر " و " لست في غاية السرية "

وتقنية " توليد حدث سريالي " من الحدث الرئيسي الواقعي للقصة يكون موازياً ومعادلاً موضوعياً له ، يأتي معمقاً لدلالته كما في قصتي " العيد يقف بعيداً "

و " أوتار ليست للعزف "

وهكذا ينتقل بنا عالم هذه المجموعة القصصية بين مستويات من اللغة تتحرك مابين اللغة التداولية ، ولغة منطقة الحياد التي تقترب من الأدبية ، وتتصاعد في المشاهد الإنسانية المحتملة إلى مستوى الشعرية ، كذلك انتقالات الضمائر الراوية مابين الغائب والمتكلم والمخاطب ، وتبلغ تقنيات الحدث إلى مستوى عال من النضج والحرفية في قصته

" الجدول ص43" ومع وقوفنا على مصير أو مصائر الشخصيات وعوالمها بعد هذه الدراسة نستطيع أن نؤكد : بأن الجدول والرافح والمقرونة والخرائط هي لبيئة الواحة وتلك المدينة بالذات الخارجة المحبة لها العاشقة لمفرداتها الجميلة ، وأنها وحيدة لشعورها بالاغتراب في مجتمع تحول بصورة حادة فلفظ كثيراً من أبنائه المولعين بحبه حب تضفر بعشقهم وتضحياتهم وأنها لاتملك إلا الطوق بعد أن فقدت القدرة على الحياة والتكيف في مجتمع أصبح غريباً بما تحتم عليها الانهيار والسقوط ، فكونها فقدت الثقة في المكان والعشيق أساساً وإذا كان من واجبي أن أعدد بضعة من آرائي حول المجموعة القصصية " طوقني حتى الموت " بصفة شمولية كبعض المواطن التي حدث فيها تكرار لمشاهد وعبارات أو صور على مستوى أكثر من قصته أو غياب الحدث على مستواه الخارجي بنسبة كبيرة ، فلا ينسيني ذلك أن أعبر عن سعادتي بهذه الكاتبة وتلك المجموعة التي عكست نضجاً فنياً ورؤية واعية مبكرة ، رغم أنها مجموعتها الأولى والتي أظهرت مقدرتها في تحريك الأحداث والشخصيات بين ثنائيات من الظلال والضوء الانسانى واللا إنساني ، الواقعي والخيالي وتفجير مواقف تخرج الهازل من المأساوي في زمن دائري تجعل الصور تتكاثر وتتراكب ، مع نغمة سردية صرنا نبصرها في قصص عبير فوزي في ملامح لها خصوصيتها السردية ونزعة الإبداع الجميل بلغة حية تشعرنا على الفور أننا مع مبدعة متمرسة صاحبة تجربة حقيقية في التعامل مع اللغة والسرد والمفردة الخاصة بنصوصها التي تفضي بنا إلي حقيقة إلمام قوى الملامح والانثربولوجية لأهل الواحة والسمات التي التصقت بها وميزتها على الدوام ، وهى تتجه بقوة وإصرار نحو التصوير الرهيف والعميق لأدق ماتحمله الشخصية من علامات داخلية وأسرار جوانية لطبيعة الحياة والأرض والبشر

انتهت

الهوامش

انظر : د- محمد عبد المطلب

مقدمة كتاب " بلاغة السرد " سلسلة كتابات نقدية العدد 114 الهيئة العامة لقصور الثقافة القاهرة سبتمبر 2001 م

انظر قصة " انفجارات تحدث في صمت ص53 " من المجموعة القصصية " طوقني حتى الموت " عبير فوزي

المجموعة السابقة ص 20

المجموعة " طوقني حتى الموت ص 77 ".



  • حسن غريب
    عضو اتحاد كتاب مصر كاتب.. ناقد.. روائي.. شاعر
   نشر في 26 يوليوز 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا