حمام عاطل...
كل ليلة انزوي إلى ركن دامس، لحياة فرضت عليّ... أكون فيها أمير أحلام العديد من حور العين. أعزف على قيثارتي... فتنصت البحيرة لدندنتي، فتحتضر البجع والإوز، ثم تنتحر أوراق الأشجار اليابسة، وتزقزق البتولات الطاهرات الصاعدات إلى سراب الأفق... صوت السماء يتردد في دهاليز رأس مغلف بشعر أسود أشعت مع بقع بيضاء، تنم على مسيرة زمن وتجربة: يغرقني في بحر احتلام شامت...
إلى الحمام تاقت نفسي أكثر من مرة سلفت، بكرت إليه قبل أن يقوى فيه الهرج والزحمة، رحبّ "الكسّال" الدّلاك بي واختار لي، كعادته معي، موضعا معتدل الحرارة، أحاطني بسطل ماء ساخن وبلوازمي، ثم شرع يفرك أطراف جسمي ويدلكها بمهارته المعهودة. حتى إذا تفصّد العرق مني غزيرا وانتعشت عضلاتي ومفاصلي تركني أستريح مستلقيا على ظهري، داعيا لي بموفور الصحة والعافية...
عجبا كيف في هذا الحمام، بـُعيدَ لحظة كهاته، تأتيني فراشات النعاس مرفرفة فوق عيني، فأردها بصب طاسات مائية على وجهي، كي أنتبه وأصحو. بين صبة وأخرى كنت كمن يتقي شرود الذهن ورخاوة الأعضاء فهدوء نوم مرتج أو غيبوبة...
لم يأت شيء من هذا، إذ تجهزت بأحسن منه: يقضا صففت أستذكر أحبتي الغائبين، ثم أحسِّنُ أحلامي، وأبوبها، وأستظهرها ، وأرصد لوائحي ومحاضري، فأرى أن المتربعة فوق ذلك كله إن هي إلا التي أسكن إليها بعون الله وتيسيره، وأنسى في عشرتها وحماها غصّة ضياع عمري الثمين...
سرحت في تصور صـُحبتها وجوارها ومعي الوقت بيني وبينها. استبشرت خيرا بهذا الوقت وبالجوار والصحبة. رأيت زواجي بالوظيفة، هي الواحدة لا شريكة لها. عربون دخولي الراسخ بين السبل المتفرقة وتيهي بين أفخاذ النساء وأحضانهن. إني بين قوتها وقوت العلم العلي موعود إلى استبدال السطوح بالأعماق والقشور بالألباب، فلا جزء إلا بالكل ولا فرع إلا بالأصل... فادعوا لي بزواج قريب يقيني شر الدهر وكيد النسوة...
سعيد تيركيت
الخميسات - المغرب - 10 / 05 / 2015