منذُ وقتٍ طويل لم أجلس مع كلماتي و لم أقابل نفسي ، كنتُ تائهة بالوسط و كانت الحياة بكل صخبها تأخذ مني الكثير في كل دقيقة و لم أكن أشعر بهذا ..
لستُ أدري ما إن كنتُ مدركة لما حدث ، لكنني أشعر بأن الحياة أجابتني عن كثير من التساؤلات التي كانت ترهقني لفترةٍ طويلة ، لا أشعر بأنني تلك التي كانت قبل يومين ، لم أعد أشعر بأنني تلك التي عهدتها ، أشعر بأنني شيء مختلف تماما عن ما كنت أريده.. و لكنه بشكلٍ ما يعجبني ..
كانت الحياة تحمل الكثير بحوزتها لتعطني ، كانت مليئة بالدروس التي لم أكن أنتظرها ولكنني أدركت أنني كنت بحاجتها للغاية ، شيء حزين ولكنه صحيح ، كان لا بد من كل ذلك أن يحدث فقط كي أرى نفسي مجرّدة من كل وهمٍ و حلمٍ عتيق لا جدوى منه ، لم تكن كل تلك التعثّرات كافية لكي أتعلّم ، و لكن شيء ما يتغير هنا بداخلي كل صباح أستيقظ به ، إن الحياة ليست بشيء نستطيع لحاقه و لكنها تلحق بنا عندما نتركها ..
لم أعد أرجو شيء منها ، فهي لا تكترث لما نرجوه ، فقط حينما نعطيها ظهورنا و لا نلتفت ، تأتينا بكل ما كنا ننتظره و ربما أكثر ، إنه شيء مضحك و مريب .. كيف أن الحياة لا تعطينا ما نريد ولكنها تعطينا ما لم نكن نريد لندرك أن ما أردناه كان لا يستحق كل ذلك ، كنتُ دائما أعتقد أن الحياة تعطي بقدرِ ما نسعى ، و لكن ليس الأمر كذلك دائما .. ربما نسعى خلف أشياء لا تمثلنا ولا تشبهنا و لكننا لا نشعر بذلك ، نبقى خلف كل تلك الأشياء حتى تبرد بداخلنا دون أن نحصل عليها ، و في وقتٍ قصير نحصل على كل الأشياء التي لم نسعى إليها و لكنها ما تليق بنا و تكمل نقصنا ..
لم أعد حزينة كما عهدت نفسي ، لم أعد أثرثر أمام مرآتي و أشكو لها عن ما خسرته في منتصف رحلتي الخاطئة ، أصبحت أخسر ولا أكترث ، أصبحت أريد ولا أتعلق ، أصبحت أسعى ولا أنتظر ، أصبحت أفعل كل ما يجب فعله ولا اتوقع الكثير ، هكذا فقط ننجو من البؤس الذي يلي كل توقعاتنا ، هكذا فقط ننضج و نتجاوز الكثير ، و هكذا ندرك أن لا شيء يستحق ، لأننا بالأصل أبناء الحاضر لسنا نرى المستقبل ولسنا موجودون في الماضي بعد الآن ...
كانت هذه حبكةّ الدنيا و حيلةُ الصبر ..
لكن طاقة المرء تكمن في ردة فعله تجاه كل تلك الأمور والأحداث ، كان يجب علينا من البداية أن نحتفظ بكل ذلك الجهد للمواقف التي تستحق ، كي لا نقف يوماً أمام الأيام بعجزٍ مفرط و طاقة مهدورة و ردات فعل باردة تتمثل في هزّة رأسٍ فقط ...
ما حبكةُ الدنيا ، ما حيلة الصبر، و ما طاقة المرء ؟
كان سؤال قديم جداً ، و حينما توقفت عن البحث عن إجابة ، وجدتها تستقر على كتفيّ في ليلةٍ لم أكن بانتظارها ..
كنتُ دائما أسرح بين النجوم و أرى نفسي في واحدة منهم ، و لكنني الآن لا أرى سوى حقيقة النجوم ، بأنها لا تشبهنا بشيء ولا تحتفظ بتفاصيلنا ، لم تكن سوى ملجأ نهرب إليه من وحشة الحياة و قدرتها على تحطيمنا ..
كل شيء أحببناه يوماً في هذا الكون لم يكن سوى وطن يأوي جميع مخاوفنا ، و ما إن اختفى تلاشينا معه و انهدمنا ..
كان الأصل أن نكن بلا مأوى ولا وطن ، كي لا نفقد شيء ، كان يجب أن ننجو دائماً دون صخرة نتكئ عليها ، كان الأصل أن نمشي وحدنا و نختار أكثر الطرق ظلمة و برودة ، و كان يجب أن نرتدي معاطفنا التي تخصّنا ، لا تلك التي تخصّ من نُحبهم ، لأنهم حتماً سيعودون يوماً ليأخذوه منا ، فما إن تمرّ بنا ليلة واحدة لتمطر كل تلك الغيوم الغاضبة على أجسادنا الخائفة .. هكذا ينهدم المرء و يُكسر، حينما يختار أن يمشي الطريق مع أحدهم و يثق بمعطفه المؤقت ..
سأقول بأنني صنعتُ معطفي الآن ، إنه لي و لن يرتديه جسدٌ غيري ، و إنني الآن في الطريقِ وحدي بلا إنارات أو نجوم تدلّني ، إنني أراقب حركة الغيم و أستشعر برودة الطقس و أتبعها ، كي أصل إلى نفسي للمرة الأولى ، كي أنبش في تلك الفوضى و أغرق داخلي حتى أجدني ، أنا على يقين بأنني سأرى الكثير من الأشياء التي ستفزعني و و تغلق الوقت على ذلك المشهد ، سأجهل الكثير من ما سأرى ، ولكنني سأكسر كل تلك القيود التي تحيطني ، سآخذ ما يجب علي أخذه و سأترك كل ما يرجعني للوراء خطوة ..
إنها الحياة ، لم يكن طريقها متسقيم يوماً ، هي دائماً تتواجد بالمنحنيات و ملتوية المسار ، لن تلحق بها مهما فعلت و لكنها ستجدك على غفلة حين تكون في أشدّ حالاتك ضعفاً ، ستلتف على عنقك بكل تعرّجاتها ولكنها لن تقتلك ، هي فقط ستلقّنك درساً لن تنساه ، ستدرك حينها أنه كان من الأجدر بك أن تمشي الطريق وحدك و تمسك بكفّك كي لا تنزلق على المنحدرات ..
نحنُ لسنا من نكون عليه حينما نتواجد مع الآخر ، نحنُ من نكون عليه حينما نتواجد مع أنفسنا ، ذلك الشخص في تلك اللحظة هو من نكونه حقاً!
-
Mais Souliasالكتابة ليست مجرد ورقة وقلم , إنما حوار بين الإحساس والصمت ، أكتب لأنني أشعر، لأنني.. أريد أن أحيا لا أن أنجو❤