يلعب الإعلام دوراً كبيراً في تشكيل الرأي العام الجمعي لأي مجتمع لذلك تسعي المجتمعات المستنيرة المتحضرة أن تمتلك إعلاماً ناصحاً هادفاً يحمي مكتسباتها ويصون نضالها و يحترم عقولها و ثقافتها مهما إختلفت روىء وتوجهات القائمين عليه .

من هنا أجد نفسي مشدوهاً من الخطاب العقلاني للإعلام الفرنسي واسجل هنا موقفين هامين .

الموقف الأول : فمنذ شهور قليلة مضت تعرضت لهجومين إرهابيين اديا الى مقتل العشرات من مواطنيها مما جعلها تعلن حالة الطواريء في حين ظل الخطاب الإعلامي يبحث فقط عن المتورطين دون أن يعمم الإتهام لفصيل بعينه .

الموقف الثاني : فرنسا على بعد خطوات قليلة من تنظيم أكبر بطولة كروية كبرى ( يورو 2016 ) لذلك تريد أن يخرج العرس الكروي بشكل يليق بتاريخ فرنسا كدولة كبرى .

ولكن في خضم هذا الجو المشحون شهدت فرنسا يوم الخميس مظاهرات حاشدة إحتجاجا على مشروع لتعديل قانون العمل تسعى الحكومة الفرنسية إلى إقراره وتعترض عليه نقابات العمال والموظفين. كما يعترض التلاميذ والطلبة على المشروع .وقالت بعض النقابات العمالية إن المتظاهرين بلغ عدهم مليونا ومائتي ألف شخص في حين أعلن الناطق باسم وزارة الداخلية الفرنسي أن المظاهرات شارك فيها قرابة 390 ألف شخص.

وفي تطور خطير قام 40% من عمال النقل الداخلي والقطارات بالاضطراب عن العمل ثم لحق بهم عمال أكبر مصافي النفط و الموانيء مما تسبب في خسائر مادية كبيرة .

في ظل هذه الأجواء ظل الخطاب الإعلامي يتسم بالحيادية في موقفه من الحكومة من جهة والتظاهرات الشعبية من جهة ثانية .

في حين أن الأجواء قد تعطي للمزايدين والمنافقين من الإعلاميين أن يتمترسون وراء أي أقوال أو إجراؤات إستثنائية تفرضها الحكومة طلباً للإستقرار و لتجنب المزيد من الخسائر و للمرور بالمناسبة القادمة مرور الكبار .

بالرغم من كل ذلك لم نرى أمثال مصطفي بكرى أو أحمر موسي على فضائياتهم تخرج ليتهموا القائمين على الإضراب أنهم خونة ويريدون إسقاط فرنسا وضد الجيش والرئيس الفرنسي أو انهم مّمولون من الخارج أو أنهم تابعين جماعة كوكو بوكو الإرهابية.

أمثال هؤلاء الأرجوزات لا يستطعون العيش في مجتمعات مستنير لديه من الوعى ما يميز بين المذيع الوطني الحقيقي الذي يدرك حق المواطن في التعبير عن رأيه أو الإضراب عن العمل في اطاره السلمى إعتراضاً على سياسة حكومته .

مصيبتنا مزدوجة ، جزئها الأول في أننا إبتلينا بهؤلاء المنافقين ممن على شاكلة بكرى و أحمر موسي، بالرغم أن جُل ثقافتهم تتخلص في كيف يمكنك أن تلعق أحذية العسكر لتجعلها أكثر بياضاً أو تنافق اكثر لتنتفخ جيوبك .

أما بقية الصورة المأساوية من المصيبة ان لدينا شيرحة من المغيبين يصدقوا هؤلاء الدجالين .