جلّاد القبيلة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

جلّاد القبيلة

بقلم : أحمد خضر أبو إسماعيل

  نشر في 28 أكتوبر 2016 .

تسكعه في أزقة المدينة كان عبارة عن روتين يومي يستطيع من خلاله هدر أكبر كم من الوقت ,مشاهدة وجوه البشر أضحت هواية يمارسها دون سابق عهد كان كلما وقع بصره على أحد أطال التحديق فيه دون أن يبالي بردة فعله أو ماذا سيتمتم الآخر المجهول في سره عن تلك العيون الجاحظة التي ترقب حركاته بشكل دقيق ربما قال :مجنون... وآخر قال :أنه وجد شبهاً بينه وبين شخص آخر على آية حال لا تكمن الهواية هنا بل كان يستطيع من معالم الوجه افتراض قصة خيالية يكون بطلها صاحب الوجه يسلي بها نفسه في فوضى هذه المدينة

الأغرب من ذلك أن مصطلحاً كان متدولاً في سياق حواري أكثر منه حياتياً {التفكير بصوت عال} كان يلحظه بين أبناء المدينة بشكل كبير ترى الأشخاص يحدثون أنفسهم في سيرهم في الأحياء وحتى المقاهي مما كان يسهل الهواية في ابتكار القصة له والأغرب من هذا وذاك ردات فعل الناس في حديثها وكأنما تتلقى إجابات على هذا الحوار الداخلي وكأنه يرسم سيناريو للقاء ما مع شخص ما في مكان ما من هذه المدينة .متوقعاً جميع الإجابات والتساؤلات التي ستطرح ترى حينها حركات الوجه واليدين تنتقل بشكل غير إرادي من العقل إلى الجسد حتى لو قابلته طرفة ما ابتسم بشكل أرستقراطي المعالم دون أن يشعر .

كان يستمتع عندما يرى هذه المنولوجات تخرج إلى شوارع المدينة ينتابه شعور بأنه ليس المجنون الوحيد الذي يطيل النظر ويحملق في الوجوه والآخرون احترفوا هوايات آخرى وربما عادة لم يعد الحديث أثناء النوم هو العادة بحد ذاتها وإنما أصبحت هموم الحياة لايحتملها حتى الخل الوفي إن كان موجوداً.

فأضحت الناس تحدث نفسها على أن هذه النفس شخص آخر تماماً . فوضولي كثير السؤال ثقيل اللوم لكنه يستمع بإصغاء لا نظير له بين أبناء آدم .

كانت أمنيته الوحيدة في المقهى هذا المساء

أن يعرف القصص الحقيقية خلف الوجوه والمنولوجات التي يرقبها بشكل يومي ليس بدافع المساعدة وإنما بدافع الفضول ولكن كان يسأل نفسه هل يستطيع الإستماع إلى تلك القصص ؟

دون أن يتمرد الجلًاد بداخله .

ومثلما هي الصفعة تماماً ومثل وقع الصاعقة وصله دون سابق انذار صوت شخص يجلس قربه في المقهى عن أي جلّاد تتحدث ؟ نظر إليه بدهشة وكأنه أستفاق من حلم يقظة هنا فقط توقف الإدراك في ذهنه لم يعد يستطع التعرف إلى الصوت هل هي نفسه الفضولية أم هو حقاً زميله في الهواية ذاتها . ارتبك بعض الشيء لكنه أدرك الزمالة حين رأى العيون الجاحظة ترتسم أمامه ,بشيء مشبع من الفضول الإنساني حينها فقط لم يجد مفراً من الإجابة .

ربما كان ينتظر هذا السؤال من شخص آخر في وقت آخر لكن سيجيب مرغماً هذه المرة

فقال: أتعرف ياصاح ماهو أقسى من جلّد السياط ؟

أجابه :لا

قال : جلّد اللسان ..ياصاح في زماننا هذا فقدنا ثقافة الحوار فجلّاد القبيلة لايسمح لك حتى أن تشكو همك لأحد أوحتى أن تشاركه قليلاً من الحزن , فترانا نحدث أنفسنا وغيرنا في دور العبادة يناجي خالقه .

راح الزميل ينظر إليه نظرة توحي بأنه يستمع إلى شخص مضطرب العقل أو أنه يهذي أو ماشابه

وتابع كلامه : عندما تقول لأي شخص في قبيلة بني البشر أنك قد وقعت بمصاب ما وقد جار عليك هذا الزمن لن تستطيع إتمام النائبة التي حلّت بك

ولن تصدق السرعة الخيالية بأنه يستطيع استحضار قصة من تجربته التي يتمنى في نفسه أن تدرس في الثانويات وحتى الجامعات , تشابه مصيبتك بكثير من الأشياء لكنها الأكثر مرارة والأغرب أنه يبادلك الحديث بمصابه الحالي قاصداً التخفيف عنك وهنا يتمرد جلادك فتقاطعه بطريقة هستيرية بتهويل مصيبتك ويضحي الحوار مبارة من همه الأكبر بينكما وتدخل في جدلية لا تنتهي هي رغبتنا بأن نكون الضحايا ضاربين بعرض الحائط جميع أخطائنا نحن الأبرياء المظلومون في زمان أصبح الضحية جلّاد نفسه ,فأضحى الصمت خيراً من الكلام .



   نشر في 28 أكتوبر 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا