ضحكة هدى
لا ترمي بأخطائك على الآخرين ،تمهل ...لعلك تكون المخطئ الوحيد
نشر في 14 يناير 2019 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
جلست كعادتها بعيدة عن ثرثرة الموظفات في وقت الغذاء ، غير أن وحدتها لم تكن طويلة ، فقد انضمت الموظفة الجديدة إليها .
لم تسألها عن رأيها بمشاركتها الطاولة و الحديث ، كم هو بسيط التعرف على شخص جديد ،الأمر لم يكن كذلك بالنسبة إليها ،فهي تحسب ألف حساب لردات فعل الآخرين.
_أنا إسمي هدى .
ابتسمت نادية رغما عنها ، فزميلتها مدت إليها يدها لتصافحها .
_و أنا نادية ،تشرفت بمعرفتك.
لم تمر إلا أيام حتى عرفت نادية المتحفظة كل شيء عن هدى ، تركت الأيام بصمتها على شخصيتها فصارت متمهلة في الحكم على الناس ، ولكن ما فاجأ نادية هو أن ابتسامة هدى تخفي خلفها جبالا من المشاكل .
_كيف تستطيعين الضحك و أنت تعانين كل هذا ؟
_ وهل سأسمح للظروف بأن تقتلني ، على الأقل سأبتسم لنفسي فهي لم تظلمني قط ،و ختمت كلامها بضحكتها الجميلة المعتادة.
_كم أنت غريبة !
عندما عادت إلى منزلها هذا المساء جلست طويلا أمام مرآتها ، كان لون بشرتها شاحبا و خطت بعض التجاعيد جبهتها ، لم تكن تبتسم كثيرا ، لم تكن تبتسم أبدا . شعرها صار طويلا و باهتا .
نهضت و كأنها تلمح خزانتها منذ وقت طويل ، ملابسها ،عطرها ،أشياؤها ، كل شيء لم يتغير منذ زمن.
خرجت إلى الصالة ، ثم تفقدت غرف أطفالها ، ما هذا الروتين القاتل ؟ و كأن المنزل عاش في سبات لسنوات.
حملت هاتفها ، نظرت إليه باشمئزاز ، فكرت بأنه أسود جدا ، أسود أكثر من اللازم ،أسود لأول مرة ، قررت تغييره كما ستغير كل السواد الذي عاشت فيه لسنوات ،بإرادتها .
هاتفت ذلك المسكين ، الشماعة التي علقت عليها كل أخطائها ، و كان صوتها هادئا جدا على غير عادتها .
_ لدي بعض المشتريات ، سأتأخر ،كما أنه لا يمكنني تحضير وجبة للعشاء ، هلا أحضرت لنا أكلا معك .
رد زوجها بالإيجاب ولم ينس أن يسألها إذا ما كانت مريضة فصوتها بدا له غريبا .
و بين الحلاقة و المتاجر أمضت أمسيتها .
_تبدين جميلة سيدتي .
جميلة ! كم من الوقت أمضته في افتعال المشاكل و التخاصم مع زوجها ! كم من السنوات مرت و هي تعتقد أنها أتعس زوجة بالعالم !
زوجها الذي كان يدللها و يحبها ، هكذا تبين لها الأمر و لكن تأخرت في فهم الأمور كثيرا ، حكايات هدى الحزينة فتحت لها عينيها ، فهمت بأن زوجها طيب و متفهم ، فهمت بأنها كانت دائما اولى الأولويات لديه و كل طلباتها مجابة ، تعب كثيرا في مسايرتها و محاولة إرضائها ، ولم يمل أبدا ، لم يكن ينتقدها أبدا ، رغم أنها لاحظت أخيرا أنها تستحق كل نقد العالم .
عادت إلى منزلها محملت بأكياس كثيرة ، تفاجأ زوجها كثيرا مما يحصل و سألها مرارا عن سبب تغيرها المفاجئ ، و استمر بالنظر إليها مستغربا لأسابيع طويلة ، و لكنه تعود أخيرا على هذا التغيير.
تفاجأت هدى و هي تفتح الهدية التي قدمتها لها نادية .
_ وما مناسبة هذه الهدية الجميلة يا صديقتي اللطيفة .
لم تخبرها طبعا بأنها تشكرها لأنها فتحت لها عينيها على الحقيقة ، لأنها بفضلها اكتشفت بأن زوجها يحبها جدا و بأنها سبب عثورها على السعادة التي كانت قريبة جدا منها ، ولم تلاحظها لغبائها ، فقط أكدت لها بأنها تستحقها لأنها أصدق زميلة قابلتها .
التعليقات
المشكلة في هؤلاء هو إنبعثاتهم السلبية التي تؤثر على كل من يحيط بهم ويتعامل معهم،
ولكن عموما ما يشفع لبطلة قصتك أنها تنبهت (ولو بعد حين).
قصة جميلة،
مع التحية
ليس عيبا أن نتأخر في فهم الشخص الذي يحبنا ( أو المرأة التى تحبنا ) لكن العيب أن نمضى كثيرا من الوقت في افتعال المشاكل و التخاصم مع بعضنا البعض لا ترمي بأخطائك على الآخرين ،تمهل ...لعلك تكون المخطئ الوحيد...
دوما سلسبيل من إبداع الى ابداع فيما تكتيبه من مقالات تحكى كثيرا مما يحدث داخل بيوت الكثير منا .. دمتى لنا بكل خير ايتها الكاتبة الواقعية و الصادقة ...
أسلوبك القصصي شيق .. يجذبني كأنك تجالسين القارئ وتتحاكين معه..لا توجد مسافة بين أحرفك وبيننا ..قلمك رشيق وهو يخط جملا تتفوق على أخواتها كقولك:حملت هاتفها ، نظرت إليه باشمئزاز ، فكرت بأنه أسود جدا ، أسود أكثر من اللازم ،أسود لأول مرة ، قررت تغييره كما ستغير كل السواد الذي عاشت فيه لسنوات ،بإرادتها .
كلمات وردية تلخص المعنى رغم كم اللون الأسود بين أحرفها
سعيدة بعودة هذا القلم الرائع ..محبتي الدائمة لك