مناجاةٌ مع الطبيعة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مناجاةٌ مع الطبيعة

لوحةٌ يُرسم فيها الشجن ..

  نشر في 23 فبراير 2018 .

ليلٌ شارد ..

ظلامٌ قاتم ..

عتمةٌ بائسة تداعبها نجوم فى سماء سوداء ..

و أحدهم يستلقى على أرضٍ جرداء يُسمع فيها نسيم الهواء ..

و أدام النظر إلى تلك الغيامات و النجوم الوضاءة ثم تساءل وعينيه تغشاهما الحزن:

لم عليَ أن أتحمل رؤياكِ على بعد هذه المسافة ؟ لم عليَ أن أقاسي تلك الظلمة لأراكِ ؟

لم لا تشتاقين إليَ كما أشتاق لكِ .. لم لا تصغين إلى شجونى كما أصغي إلى أنين جمالك ؟

فقاطعته شجونه : كلا ، تلك النجوم هى أُنستى و مرأتى التى أسكب عليها الهموم فتتسع لها ! هى فراغى الذى أملأه ،هى من تمر معها الساعات كأنها بضع ثوانٍ ، هى مأواي الذى أتغنَي به فى المساء ..هى شموعي التى تطفئها إشراقة الصباح !

و لكن لمَ؟ ..لمَ يسلبها ضوء الشمس ؟ لمَ لا تكن أكثر صمودًا ؟! لم تفارقنى و هى تعلم أن ذاك يؤذينى و أنها ملجأى الوحيد؟ غيابها يجعل النهار أشد ظلمة من حلكة الليل !

هل علىَ أن أعالج ذلك الكوكب من الشيزوفرينيا المُصاب بها ؟

نصفه ليل و نصفه نهار ! هل أمقت النهار لسلبه لوحتي المُرصعة بالنجوم أم أمقت الليل لأنه يحن عليه فراقي؟ أأتحمل برودة الليل كي أناجي السماء و من ثمَ يقطع حديثنا ضوء ساطع يؤذي عينيَ ؟ لمَ تعرقل الشمس نظراتي المرسلة عبر كل تلك الأميال .. لم تخدش زجاج عينيَ حتى تكسره و تجبرهما على الخضوع ؟!

أنا لا أغمض عيناي إلا لأنى أعلم أن رموشي العليا اشتاقت لرموشي السفلي ! لكننى لا أحب أن أجبرهما على التلاقي بسبب ذاك السطوع !

أجابته النجوم بصوت خافت أكتمه البعد بينهما : " لو أنك تؤمن بأنى أزداد لمعانًا كلما نظرت إليَ و تألمت حزنًا على فراقى ، لرسمتنى عيناك أمامها رغمًا عن أنف الضياء و أعوانه .. ستراني و أحدثك فى كل لحظة و لكن إذا اختلت نظراتك بي فى صدقٍ"

لكنه لم يعي ذلك و ظل يحادث نفسه : " كيف تعلق النجوم فى السماء ؟ لم لا تجذبها الأرض و تتساقط على البشر فيلمعون بضوئها و تواري سوءة سواد قلوبهم ؟ لم لا تبث الحياة فى ظلامهم الداكن و تبعث جمالها فيهم .. نحن جُناة لكوننا نستضيء بضيِ تلك النجوم التى لا تنظر منا شيئا إلا الظلام و البغضاء و الأدمغة التى تعجُ بالغمام الذي يشوه أفعالها !

لقد أرادت البعد عن ذلك الكيان المرعب .. رأت أن جمالها و البشر لا يتفقان أبدا .. أدركت أن سلاسل الفضاء خير قيدٍ لها فهى لا تشعر بالوحدة فى الأعلى! يحتضنها من حولها و تسبح فى فراغ داكن لا حدود له .. تتكاتف و ترسم جمالًا صارخًا على لوحةٍ يصعب النقش عليها! تتوغل فى غابتها الزرقاء و تنل ما تشاء من نظرات الناس .. كيف لها أن تهجر ذاك النعيم ؟! كيف أحبها و أودُها أن تسقط إلى ذاك العالم الموحش ! هى لم تحلم بالانتحار بعد .. رأت أن كيانها فى الأعلى لذا لا تطلب منها الدمور !

ليس الليل بظلمةٍ و هدوءٍ و نومٍ ، لكنه بقمرٍ و نجومٍ و ثالثهما أنا..

ها هى الشمس تطلُ بإطلالتها الذهبية التى غطت على لآلئ السماء .. وعدتها بأنى سأعود لها متلهفًا مع الليل ! أخبرتها بأنى أعدُ غروب الشمس شروقًا لي فى وجودها و تسامري معها!

رحلتُ لأتجول فى طرقٍ لا أعلمها .. لا أدرك هويَتى و لا إلى أين أريد الوصول !

قررت أن أسير إلى حيث تدفع بيَ الرياح و تجذبنى مفترقات الطُرق ..

حيث كدتُ أن أتعثر فى صخرةٍ تخبيء خلفها مجموعة زهورٍ مورقة جذبت رائحتها نظري إليها !

كانت جميعها ناضجة مزهرة تغشي أوراقها علامات البهجة فابتسمت لها .. و تساءلت مجددا " إذا كنا قد خُلقنا من طينٍ، لمَ لا نزهر وردًا حين تدمع أعيننا ؟ " و بينما كنت مندمجًا فى أفكاري الوهمية ، لفت نظرى زهرةً ذابلة تنكمش أوراقها شيئًا فشيئا و لمس قلبي صوت صراخها ! لقد كانت وحيدة بعيدة عن رفيقاتها .. هل نبذنها أم أن القدر شاء أن تكون بعيدة عنهن ؟

لم أبالى بالإجابة و لكن ما مزَق شعوري أن الزهور الأخري لم يأبهوا لأمرها ! هنَ فقط يتكاثرن و يبتهجن و يتشاركن فى تربةٍ واحدةٍ و يستمدَن ضياء الشمس ليزددن رونقا !

جميلٌ و لكن تلك الزهرة هنا عاجزةٌ وحدها .. تسقط منها ورقة كل يومٍ فى حين تلمع وريقات الأخريات!

كيف تُزهر وقد تعرَت جذورها و دُفنت تحت طميٍ جاف ؟!

قتلنى الرحيل من دون تقديم العون لها ، فلو أنى لامستها لانهارت و لقيت حتفها و كنت سأعيش ما بقي من عمري تعيسًا لو كنت السبب فى التعجيل بموت تلك الزهرة .. كانت الأحب إلى قلبي من بينهن جميعًا .. لكننى قبل تركها طأطأت رأسي إليها و خبرتها بأنى سأزرعها فى قلبي لتزهر فى دفءٍ فمكانها ليس فى تلك الحياة الجافية !

دمعت عيناي وجففتها طلاسم الرياح و انحنيت قليلًا .. سمعتُ صوت حفيف الأشجار و صوت اعتلاج أمواج بحرٍ يناديني فنهضتُ مسرعًا لأحدثه ..

واصلت الركض حتى رأيته من بعيدٍ فأزدت من سرعتي حتى ارتطمت بحجرة أسقطتنى أرضًا ، و من ثمَ لامستنى مياة دافئة و كأنها تخفف عليَ حدة ألم السقوط .. أحببت السقوط تلك المرة ولم أُعجِل بالقيام وظلت لمسات مياة البحر تتسارع فى الاصتدام بي لتطفيء لهيب حزني و تغسل شحوبي فى كل مرة و تحمل معها الشوائب التى تطفو عليَ !

ثم سمعت همسات الرمال تحثنى على الوقوف لأن البحر اشتاق لرؤية وجهي ،فأقوم و قد ابتلَت ملابسي و أقف على حافةِ ذاك الشاطيء ليعمَ الصمت و تسكن الريح و الأمواج بُرهة و كأن الزمن قد توقف و لكن سُرعان ما تهب الحياة مجددًا و أطيل النظر فى زُرقة البحر التى يستمدها من السماء التى تعتليه .. شعرت أنه يأمرني بالحديث ، رحبت أمواجه بي وازداد اتساعًا فى عيني .. لمست مياهه قدماي كى تحثنى على الكلام ، لقد صفَي ما بداخلى تمامًا و روي الزهرة التى وعدتها بأن أزرعها فى قلبي !

تحدثت معه دون تحريك شفاهي فلابد و أنه يفهمني .. داعبني بنسيمه كي يخفف عني الصراع انفسي الذى أعانيه .. حدثته عن شوقي للنجوم و عن الزهرة التى غرستها فى قلبي و عن مغامراتي و عاداتي و أحزاني و شقائي و سعادتي !.. حدثته عن الكثير حتى أفرغت الثقل الذى حملته على عاتقى حتى كاد يقتلني!

كان يسمعني ويسعي فى محو كل الألم الذى أدركني! لم يترك لي سبيلًا للبكاء.. و لكنه هاهو يجيبنى باحمراره !

يجيبني بانعكاس ضوء الشمس على مياهه .. كان ضوءًا ذهبيًا يخبرني برحيل الشمس ! و كأن البحر أراد تذكيري بعهدي مع النجوم ..

استلقيت على الرمال و بدأت تظلم و تزداد عتمتها حتى ظهر ضي القمر و التفت من حوله النجوم .. قلتُ لها : أنا أنتظركِ ها هنا فدوَت بالصراخ كى أسمعها و قالت " و أنا عجَلت بالقدوم " ..

لا أحب الوحدة لكنى أحب أن أختلى بالطبيعة و أتفرد معها حين أحادثها !

هى البئر الذي أرتوي منه و لا يمل من أنينى و غنائي و تساؤلاتي ! هى ليلي ونهاري !هى اللوحة التى تفيض جمالًأ و لا يشوهها إلا تلك الكائنات التى حظيت بالعيش فيها!

توهجت السماء و التمعت نجومها فتبسمتُ ثم قلت : " فلتحضننى السماء فى لوحتها المُرصعَة بالنجوم ".. 


  • 1

   نشر في 23 فبراير 2018 .

التعليقات

عمرو يسري منذ 6 سنة
لوحة فنية رائعة مليئة بالتشبيهات الجميلة , هي إسم على مسمى ( مناجاة مع الطبيعة ) .
بالتوفيق و في إنتظار كتاباتك القادمة .
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا