ليبيا في المتاهة من جديد - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ليبيا في المتاهة من جديد

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 15 أبريل 2019 .

ليبيا في المتاهة من جديد..

هيام فؤاد ضمرة.. الأردن..

وما زلنا نحن العرب نخوض المآسي ويتوحش فينا ميولنا، وتغيب عقولنا، ونعتصر الألم تلو الألم ونحن نتجرع كأس السم زعافاً أنخاباً وأتراح، وما زال العرب يفتعلون حروبهم الأهلية وكأنهم يتبارون في ملعب لتقديم العروض الخطرة باستمتاع عجيب، فيدمرون حضارة بلادهم فلا يتركوها إلا جبالاً من الردم، وينسفون أمن مواطنيهم ويتسلون بأرواح الأبرياء من بني جلدتهم، ويبددون مقدرات أوطانهم الاقتصادية بحمق عجيب، تحركهم قوى خارجية لئيمة مقابل منافع شخصية خاصة، تماماً كعرائس مسرح الدمى تتحكم بهم وتوجههم، وليس هي إلا جهات مستنفعة تمتلك أجندة عدوانية لا تمت إليهم بشيء سوى كونها تحقق للأطراف الممولة المكاسب الخاصة والضرر واقع على الغلابة من المواطنين الأبرياء وقود نزاعاتهم.. ولنا أن نتساءل بأي حق ينقسم أهل البلد الواحد إلى فرق وفصائل ويتخذون المواقف المتضادة للوصول إلى مواقع حكم تمسك بالزمام، لتمتلك خزائن المال وتحقق بالسلطة المطامع والأحلام لمن هم وراء عنف كافة الأطراف.

وليبيا اليوم ما زالت تتأجح على هاوية خطرة وقد عادت إلى غفلة الحرب الأهلية الشنعاء، ليبيا عادت لتحترق من جديد، ومن يتحكم بأدوات الوقود هم جهات متعددة تسعى للسيطرة على زمام الحكم في ليبيا، لا تحركهم إلا مصالحهم ولا تدعم قتالهم إلا جهات عدوة، نفس المسلسل يتكرر رغم كل الدروس التي مرت على الأمة العربية، وتجار السلاح هم الكاسبون الوحيدون، وقد يكون ممول هذه الجهات واحد يحرك معه مجموعة حلفاء متعاونون لهم ذات المصلحة.

جذور الأزمة في ليبيا ظلت تتعمق بلا هوادة، وما يُسكت عنه يتطور ويتعظم خطره، وهكذا وجدت الحكومة الشرعية المؤقتة نفسها في مواجهة عدة فرق مسلحة تقسم البلاد وتشتت تقدمها، وتعطل استقرار أمنها، إذ سرعان ما يشتعل الخصام بينها وتستنفر الجهات سلاحها.. ما بين حكومة الوثاق الوطني بزعامة فايز السراج على مشارف طرابلس العاصمة، والحكومة الاسلامية التي انبثقت عن المؤتمر الوطني العام المنتهية صلاحيته، وحكومة مجلس النواب صاحبة الولاء للجيش بقيادة الفريق خليفة حفتر وتحظى هذه بدعم من مصر والإمارات، وحكومة الإنقاذ الليبية بقيادة جماعة الإخوان وتحظى بدعم من قطر وتركيا، وجماعة أنصار الشريعة في بنغازي، ومليشيات الطوارق في الجنوب الغربي من ليبيا في غات، والمليشيات المحلية المتآلفة في مصراته.. وصراع حامي الوطيس على السلطة والمصالح غير خافي يشتد أواره حينا ويهمد أحيانا، لكنه كلما اشتد نشب القتال مجدداً مخلفاً وراءه حصيلة من القتلى والجرحى من الطرفين، ودمارا ماليا وبشريا وحضارياً مكلفاً.

وتقف الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص موقف النافذ صبره وسط ظروف التصعيد العسكري الصعب متخذة قراراً بإلزام جميع الأطراف المتنازعة بالتقيد بعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة بما فيها إصرارها على عقد المؤتمر الوطني في وقته المقرر والذي يتم التحضير له على قدم وساق منذ عام تقريباً.

وواضح أن وزراء الدول السبع لديهم قناعة أن يوقعوا العقاب على حفتر ما لم يوقف القتال

ويذكر أن حفتر اتخذ قرار الهجوم العسكري على العاصمة طرابلس للقضاء على حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الغرب مما يعرضه ذلك لانقلاب وزراء خارجية الدول الأوروبية السبع عليه، وإصرارهم على إنزال العقوبة الدولية عليه، وما زال الطرفان المتنازعان في حالة صراع عسكري وتوتر متصاعد مما وضع السكان في حالة صعبة من نفاذ الطعام والوقود والماء والعلاج مما قد يسبب مأساة انسانية بالغة الضرر، وتخوف التجار من حدوث فوضى وانتهاز فرصة غياب الأمن والضبط فتتعرض محلاتهم التجارية وبضائعها الثمينة للنهب في ظل غياب مظلة أمنية صالحة.

تعدد أطراف النزاع وتدخل أياد من الخارج اعتادت أن تضع بصمتها في صنع تاريخ الدول ورسم تاريخ سياسات الدول وشعوبها من خلال استراتيجيات تسوقها ضمن عروضها للحل، كل هذا يُصعِّب على المعنيين ايجاد حل شافي، فالأصابع التي تشارك في الطبخة والبؤر التي تسببها دول الغرب على عادتها أكثر مما تستوعبه الحالة، وانسياقات الغرب لاعلامه موجه يجعل سياساتها تأتي غالبا بعكس ما تحتاجه المسألة ولهذا تتكرر الوسائل الغربية في ايقاع الظلم التي غالباً ما تتلقفلها الشعوب بالطرق المأساوية.

الحل يكمن باعتراف الجميع بفداحة الحرب الأهلية وكراهة التنافس باستخدام السلاح، لأن هناك مشكلة كبيرة في أن تتواجد على الساحة جماعات تشكل عصابات ستجد فرصتها بالنمو بأجواء هذه الفوضى وغياب الأمن والنظام ألا وهي عصابات التهريب والجريمة المنظمة والتجارة الممنوعة بشتى أشكالها، ونمو الصراعات القبلية والعناصر المغذية للجريمة بأنواعها، الخطر يتهدد ليبيا من كل الجوانب وعلى الأطراف المتنازعة أن تدرك أي خطر يتهدد بلدها في هذه الأجوائ الخطرة.

إن الصراع على اقتسام الثروة والتنافسية بين القطاعات ذات الطابع الاقتصادي سوف تزيد في تعميق المشكلة خاصة الحدودية ويعرض البلد لتدخلات خارجية أقوى، الأمر الذي يعرض السوق الداخلي للانفلات من العقال العام ويعرض البلد وأمنه واقتصاده لانهيار خطير.. وعلى الدول الخارجية أن ترفع يدها عن خيوط اللعبة في مسرح العمليات لاتاحة الفرصة لدعم الشرعية والانتقال إلى مرحلة قيادة الشعب من خلال مجلس نواب فاعل وأحزاب مشاركة.



  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 15 أبريل 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا