مسرحية الرئاسيات
إعلام المقبور في دولة المؤسسات و القانون
نشر في 05 مارس 2019 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
ما انفكّ إعلام العار والمخنثين ،من سنة إلى أخرى، يتحفنا بطلعاته وشطحاته المعتادة. وكلّما ظنّ المتلقّي أنّ شطحاته ورقصاته الاستعراضية الفرجوية قد أوشكت على النّهاية إلاّ وأطلّ علينا باستعراض مسرحي جديد يمثّل فيه على الشّعب. قد يذهب في ظنّ المواطن العادي أنّه يتابع إعلاما هادفا،ولد من رحم الوعي السياسي ،يناصر دولة القانون والمؤسّسات، ولكن بمرور بعضا من الوقت لا يلبث هذا المواطن إلاّ أن يكتشف أنّه تعرّض إلى عملية غش رهيبة ولمسرحية مطوّلة ومبتذلة نصّا،كتابة سيناريو وإخراجا. إنّها مسرحية مشابهة لمسرحيات ومهازل الانتخابات المقبورة ولكن إعلام العار لدولة القانون والمؤسّسات (العمومي والخاص) يصرّ على أن يوغل في التمثيل ويتقمّص إلى أقصى حد الدور المسرحي الذي عهد له لدرجة التخمّر. وحينئذ يصدّق نفسه أنّه فعلا ينطق بالحقيقة بل والحقيقة المطلقة وعندئذ تكثر التقارير الفورية والتحاليل السياسية وحلقات النّقاش على مدار السّاعة لكي يثبت للشعب ولكلّ للعالم أنّ الانتخابات هي فعلا شفّافة ونزيهة ولا يمكن أن يأتيها الباطل من أي جهة كانت. ومن يشكّك في نتائج الانتخابات فإمّا أن يكون جاهلا جهولا أو حاقدا حقودا !
وما يلاحظ هو أنّ رياح التغيير ودموع الثّكالى وآهات المقهورين وصيحات الثائرين وانتفاضات الغاضبين لم تستطع أن تحيّد إعلام العار هذا ولا أن تليّن موقفه. بل ظلّ هذا الإعلام وفيّا كما كان لمبادئه وللاستبداد ولبقايا الاستبداد بحيث تنطبق عليه مقولة "لا ينفع العطار فيما أفسده الدهر".
في الآونة الأخيرة، وفي سياق متّصل ومع تسارع الأحداث في علاقة إحتجاج و تظاهر الشعب المعارض ضد العهد الخامسة، تخمّر هذا الإعلام مرّة أخرى وبدا وكأنّه يخوض معركة الاستقلال من جديد. واستبسل في الدفاع عن الشرعية، شرعية الدولة والمؤسّسات. وعلى الفور برزت وانبرت من جديد وكالعادة كلّ التشكيلة، تشكيلة الممثّلين والمسرحيين من محلّلين سياسيين ومن خبراء وحقوقيين وانتصبوا يعرضون على الشّعب مسرحياتهم الجديدة أو لنقل القديمة المتجدّدة والمعروضة في ثوب جديد وإخراج جديد. فهم مبدعون في ميدان التصوير والتمثيل والإضاءة والإخراج وجلب الجمهور إلى الأستوديو. فكلّ حادثة ولها إخراجها ومخرجاتها. فماذا أخرجوا لنا هذه المرّة ؟
لم يشيروا لا من قريب ولا من بعيد إلى السّياسة التشاركية والمشاركة في صنع القرار التي لا بدّ للدولة أن تتوخّاها تماشيا مع روح التغيير ومع مضامين الدستور المعدل و المتمم الأخير. بل تسمّروا في أماكنهم وتصلّبوا،ثم أبدعوا وأجادوا تقمّص الأدوار : يطرحون وجهات نظرهم هذه وكلّهم مشاعر نبيلة وأحاسيس فياضة وقلوبهم تدقّ وتهفّ على الجزائر لكي لا تنهار ! هؤلاء الممثّلون المسرحيون هم فعلا ينتصرون للدولة ويسعون لأن تمسك هذه الدولة بزمام الأمور في كلّ المسائل ولكنّهم لا يفعلون ذلك إلاّ عندما تكون الدولة دولة عميقة فقط. ذلك أنّ عقولهم ومزاجاتهم ومشاعرهم وأحاسيسهم معدّلة على الاستبداد ولا شيء غير الاستبداد. ثمّ وفي مرحلة ثانية تأتي كلّ المسائل المرتبطة بالاستبداد والمستنسخة منه كالفساد والرشوة والمحسوبية والغشّ وكلّ الهموم والمصائب المنجرّة عنها. فتراهم كالغربان لا ينزلون ولا يهبطون إلاّ على الجيف ولا يحلو لهم المقام إلاّ في نبش المزابل. ولقد فضحهم أخيرا المرشح الحر للرئاسيات رشيد نكاز بعدما جال أغلب ولايات الوطن وبثها مباشرتا عن طريق صفحة الفايسبوك ، التي فضحت هذه الأخيرة ضعف الإعلام الجزائري لكشف حقائق المبيتة في عقر وطننا الحبيب.
وهكذا يتبدّى لكلّ ذي عينين أنّ هؤلاء القوم ليس لهم مواقف ثابتة تحكمها المبادئ الأخلاقية والسياسية وإنما هي مواقف مرتبكة ومنحازة تتغيّر وفق الظروف و المصالح