الأمومة فطرة، هذا ما نعرفه.
يقذف الله حب الوليد في قلب أمه دون حول منها، ومعه تفقه لوحدها أسس رعايته.
لكن اليوم الرعاية الأساسية من مأكل ومشرب وسهر على راحة الطفل لم تعد تكفي، أصبحت توازيها التربية الإيجابية، التربية التي تتجاوز مجرد أن يأكل الصغير ويُنظّف ويوضع أمام التلفزيون.
أمر جميل جدا أن يُعامل الطفل كذات كاملة، كنفس بشرية تفهم وتشعر وتعبّر عن كل ما يخالجها.
والأجمل أن نجد الأمهات اليوم يسعيْن بكل ما أوتين من جهد لتثقيف أنفسهنّ في هذا المجال وبالإلمام بكل ما يخصّ التربية الحديثة وأساليبها..
إلى هنا نستبشر خيرا بالجيل القادم.
وطبعا مع إنتشار مثل هذه الطرق والأساليب، انتشرت أيضا الحسابات التي تُعنى بهذه المواضيع، أمهات يتفرّغن لمشاركة تجربتهنّ في التربية الإيجابية مع غيرهنّ على الانتستغرام والفيسبوك وغيرها من المواقع.
انتشرت بالتالي الصورة المثالية للأم، الأم التي لا تتعب، لا تتعصّب، الأم الهادئة التي تتعامل مع كل العقبات والمشاكل ببال مرتاح..
الأم التي تقضي طول اليوم متنقلة بين الأنشطة والتنقل من مكان إلى آخر مع الطفل.
هذه الصورة التي تأخذها أم أخرى فتجلد بها نفسها وقد تدخل في متاهات نفسية بسببها..
أم أخرى لم تتوفر لها نفس الظروف التي توفرت للواتي يصدّرن لنا صورهنّ على الانستغرام..
ليست المشكلة في تشارك الخبرات، إنه لأمر محمود أن نتعلم من بعضنا البعض، بل المشكلة أن بعضهنّ يتعمّدن التقليل من شأن بقية الأمهات..
"كيف لا تخرجين يوميا مع طفلك، ان الخروج ضروري للطفل"
- من أدراهنّ أننا لا نريد الخروج مع أطفالنا، ربنا الظروف لا تسمح بذلك.. لماذا لا يقدّمن الحلول إذا تعذّر الأمر الذي يطرحْنه علينا؟!
"كيف لا يأكل طفلك بمفرده، كيف لا يقرأ، كيف لا يرتدي ملابسه بمفرده، كيف لا يفعل ولا يفعل.. لو اتّبعتِ المنهج الذي اتّبعته لنجح طفلك في فعل هذا الآن مثل طفلي.."
- لماذا تجلدهنّ؟ لماذا تدفعن الأم للشعور بأنها فاشلة فقط لأنها لم تتبع المنهج الذي تتبعْنَهُ؟
عدا جلد الذات، فإن الصورة المثالية التي تُصدّر لنا على السوشيال ميديا، تدفع الأم إلى التعسّف على طفلها ليظهر كما الطفل الذي تراه في الصورة.. يجب أن يتقن المهارات نفسها ويتكلم نفس الكلمات ويقوم بنفس الأنشطة..
متناسية أن لكل طفل شخصية مختلفة عن الآخر وقدرات مختلفة، لا يمكن أن يتشابه طفلان فيها.
ما الحل؟!
طبعا لا ننكر دور بعض الأمهات على السوشيال ميديا ممّن نجحن في تغيير نظرة الكثيرات للتربية الإيجابية ونجحن في تبسيط المعلومة وتبسيط الكثير من المناهج الغامضة والتي كنّا نراها صعبة.. أمهات لم يجلدن غيرهن بل تقدّمن بالصورة كما هي: الأم بشر تتعب، تبكي، تحزن، ترغب في عيش مشاعرها كاملة كما كانت..
ولكن ما إن أصبحت التربية الحديثة موضة حتى طغت الصورة المنمّقة والمثالية على المحتوى..
هنا يجب على الأم أن تأخذ ما يفيدها وتترك الباقي.. عليها أن تضع طفلها فقط نصب عينيها، أن تبتعد عن مقارنته بأي طفل آخر، أن تثق به وبقدراته، أن تكون متأكدة أن وراء تلك الصورة المُغرقة في المثالية هناك كواليس حياة طبيعية تتقاذفها المشاعر السلبية والإيجابية، وراءها أم طبيعية جدا.
❤
مروة عبدالله
-
Marwa Abdullahقارئة، مـحبّة للأدب، متذوّقة للشعر.. و قبلهم "أمّ". ♥️