رحيل العالم ستيفن هوكينغ
تأليف الدكتور: روجر بنروز
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو
استحوذت صورة ستيفن هوكينغ- الذي رحل عن عالمنا صباح اليوم(14 آذار 2018) عن عمر ناهز ال76 عاما- في كرسيه المتحرك ورأسه المائل قليلا إلى أحد الجانبين ويداه معقودتان لتشغيل وسائط قيادة الكرسي على الخيال الشعبي كرمز حقيقي لانتصار العقل على المادة.
بدت الاعاقة الجسدية مستبدلة بعطايا خارقة كحال كهنة دلفي في اليونان القديمة مكنت عقله من الابحار في الكون بحرية إلى أن افصح ذات مرة بشكل مبهم عن بعض أسراره المخفية بفعل النظرة العادية الفانية.
لا تخبر مثل تلك الصورة الرومانسية سوى طرفا من الحقيقة. ويقدر العارفون بهوكينغ الحضور الطاغي لكائن بشري حقيقي شغوف بالحياة يمتلك حسا بالدعابة وعزيمة لا تفتر مع نقاط الضعف البشري العادية علاوة على نقاط قوته البادية للعيان. وبدا أنه افتخر بالنظرة الدارجة إليه “بالعالم الشهير رقم 1” حيث تتوافد الجموع الهائلة لحضور محاضراته العامة وإن لم يكن الهدف في بعض الأحيان التنوير العلمي.
وقد يقدم المجتمع العلمي تقييما أكثر رصانة. لقد حظي بمكانة رفيعة لإسهاماته العديدة الرائعة والثورية في بعض الأحيان لفهم فيزياء وهندسة الكون.
أصيب هوكينغ بعيد بلوغه الحادية والعشرين من العمر بمرض غير محدد لا يمكن الشفاء منه والذي عرف فيما بعد بمرض التصلب الجانبي الضموري ALS وهو مرض عصبي تنكسي قاتل. وبدلا من الركون إلى الاكتئاب كما قد يفعل البعض بدأ بتركيز نظره على بعض الأسئلة الأساسية التي تتعلق بالطبيعة الفيزيائية للكون. وحقق في الوقت المناسب نجاحات مذهلة بالرغم من إعاقته الجسدية المحطمة. وهزم الرأي الطبي السائد وعاش بعدها 55 سنة.
كانت خلفيته أكاديمية ولكنها لم تكن مباشرة في الرياضيات أو الفيزياء. كان والده فرانك طبيبا بارعا بالأمراض الاستوائية ووالدته ايسوبل مثقفة راديكالية متحررة أثرت عليه كثيرا.
ولد في أكسفورد وانتقل إلى سانت البانس هيرتفوردشاير بعمر الثامنة. درس في مدرسة سانت البانس وفاز بمنحة جامعية لدراسة الفيزياء في جامعة كوليج في أوكسفورد. وشهد له أساتذته بالتميز الفائق ولكنه لم يأخذ عمله على محمل الجد. وحاز على شهادة جامعية من الدرجة الأولى عام 1962 ولكنها لم تكن متميزة للغاية.
قرر استكمال تخصصه في الفيزياء في ترينتي هول بكامبردج وحاول الدراسة تحت إشراف عالم الفلك اللامع فرد هويل ولكنه شعر بخيبة الأمل لعدم تمكن هويل من الاشراف عليه وكان الشخص الأخر المتواجد في تلك المنطقة دينيس سكيما ولم يكن هوكينغ على معرفة به في ذلك الوقت. وكانت تلك مصادفة محظوظة حيث أصبح سكيما شخصية بريطانية متحفزة لامعة في علم دراسة الكون واشرف على العديد من الطلبة الذين تركوا بصماتهم ونجحوا نجاحا باهرا في السنوات اللاحقة (بما فيهم رائد الفضاء المستقبلي لورد ريس من لودلو).
بدا أن سكيما يعلم كل شئ في الفيزياء في ذلك الوقت خاصة في علم الكون ونقل ذلك الحماس المعدي إلى كل من واجهه. ونجح في جمع الأفراد ذوي الإمكانيات المهمة مع بعضهم البعض.
عندما كان في سنته البحثية الثانية في كامبردج كنت أنا(في كلية بيربيك في لندن) قد أسست نظرية رياضية محددة عن الارتباط التي أظهرت على أساس بعض الافتراضات المقبولة (من خلال استخدام بعض التقنيات العالمية الطوبولوجية والتي لم تكن معروفة للفيزيائيين انذاك) ان نجما متداعيا هائل القوة سوف ينتج في أحادية في الزمان والمكان — في مكان يتوقع أن تصبح به الكثافات وانحناءات المكان والزمان لا نهائية- مما يمنحنا صورة ما يسمى اليوم “بالثقب الأسود”.
تقع مثل تلك الاحادية في المكان والزمان ضمن “أفق “ لا تتمكن أية اشارة أو جسم مادي من الإفلات منه. (قدمت هذه الصورة أولا من قبل روبرت اوبنها يمر وهارت لاند سنا يدر عام 1939 ولكن في الظرف الخاص عند افتراض التناظر الكروي. وكان الهدف من تلك النظرية الجديدة تفادي مثل تلك الافتراضات المتناظرة غير الواقعية.)
وعند هذه الاحادية المركزية تكون نظرية اينشتاين التقليدية في النسبية العامة قد وصلت إلى حدودها.
كان هوكينغ في ذلك الوقت يفكر بهذه المسألة مع جورج ايليس الذي كان يحضر لدرجة الدكتوراه في كلية سانت جون بكامبردج. وعمل الرجلان على نوع محدد من “نظرية الاحادية” تطلبت افتراضا مقيدا لا واقعيا. ونجح سكيما في جمعي مع هوكينغ وسرعان ما وجد هوكينغ طريقة لاستخدام نظريتي بطريقة غير متوقعة بحيث يمكن تطبيقها(في شكل معكوس الزمن) في إطار كوني ليظهر أن أحادية الزمان والمكان والتي تسمى “الانفجار العظيم” لم تكن خاصية للنماذج الكونية المعيارية عالية التناظر فحسب ولكن لأي نموذج مماثل غير متناظر.
بدت بعض تلك الافتراضات في نظريتي الأصلية أقل طبيعية في الإطار الكوني عنها في التداعي إلى ثقب أسود.
بدأ هوكينغ بدراسة تقنيات رياضية جديدة بدا أنها ملائمة للمشكلة وتعميم النتائج الرياضية لازالة مثل تلك الافتراضات.
كان الجهد الرياضي الضخم المعروف بنظرية مورس جزءا من الآلية المستخدمة من قبل علماء الرياضيات النشطين في الدراسة العالمية(الطوبولوجية) للاحياز الريمانيانية. ولكن الاحياز المستخدمة في نظرية اينشتاين هي رييمانينية كاذبة وتختلف نظرية مورس عنها بطرق مهمة وحادة. طور هوكينز النظرية اللازمة بنفسه(وبمساعدة تشارلز ميسنر وروبرت جيروش وبراندون كارتر في بعض المناحي)وتمكن من استخدامها لإنتاج نظريات جديدة أشد قوة بحيث يضعف افتراضات نظريتي إلى حد كبير وأظهر أن أحادية الانفجار العظيم كانت احتواءا مهما لنظرية أينشتاين النسبية العامة بظروف واسعة.
بعد سنوات قليلة(وفي بحث نشر من قبل المجمع الملكي عام 1970 وفي ذلك الوقت كان هوكينغ قد أصبح زميلا” للتميز في العلم” في جونفيل وكايوس كوليج في كامبردج) اتفقت معه على نشر نظرية أكثر قوة والتي تتضمن جميع الأعمال التي قمنا بها في ذلك المجال قبل ذلك.
في عام 1967 نشر ويرنر اسرائيل بحثا مهما يشير إلى أن الثقوب السوداء غير الدوارة سوف تصبح، عندما تستقر أخيرا وتصبح ثابتة، بالضرورة متناظرة كرويا بشكل كامل.
وعممت النتائج التالية التي قدمها كارتر ودافيد روبنسون وآخرين ذلك لتشمل الثقوب السوداء الدوارة مما يعني ضمنا أن هندسة الزمان المكان النهائية يجب أن تتفق مع عائلة صريحة من الحلول لنظريات أينشتاين والتي اكتشفها روي كير عام 1963.
وكان أحد المكونات الرئيسية للنقاش الكامل يقول إذا كان هناك أي دوران عندها يجب توفر تناظر محوري كامل.
وقدم هوكينغ هذا المكون عام 1972.
والخلاصة الكاملة لكل ما سلف أن الثقوب السوداء التي توقعنا وجودها في الطبيعة يجب أن تتوافق مع هندسة كير. وبحسب تعبير عالم الفيزياء النظرية الفلكية سوبرامانيان شاندراسيكار أن الثقوب السوداء هي أكثر الأجسام العيانية كمالا في الكون والتي بنيت من الزمان والمكان علاوة على ذلك هي أبسطها لأنه يمكن تفسيرها بهندسة بسيطة(هندسة كير).
وبعد عمله في هذا النطاق أسس هوكينغ العديد من النتائج المهمة عن الثقوب السوداء مثل النقاش حول حدوثها الأفقي(وسطحها المتراقص) والذي يقتضي طوبولوجيا كروية.
وأسس في عمل نشر عام 1973 بالتعاون مع كارتر وجيمس باردين بعض المقاربات الملفتة بين سلوك الثقوب السوداء وقوانين الديناميكا الحرارية الأساسية حيث تكون مساحة سطح الأفق وجاذبية سطحه متناسبة على التوالي مع الكميات الديناميكية الحرارية للحرارة و الاعتلاج(انتروبيا). ومن العدل القول إنه في خضم فترة نشاطه الأعظم الذي ولد هذا العمل كانت أبحاث هوكينغ في النسبية العامة التقليدية أفضل ما توفر في العالم أجمع آنذاك.
اعتبر هوكينغ وباردين وكارتر سلوك الثقوب السوداء الحراري الديناميكي أكثر من مجرد تماثل بدون أية محتوى فيزيائي مادي.
بعد ذلك بسنة أظهر جاكوب بيكينستاين ان مقتضيات التناسق الفيزيائي تعني أنه وفي إطار ميكانيكا الكم –يجب أن يمتلك الثقب الأسود بالفعل انتروبيا فيزيائية حقيقية (“الانتروبيا” هي المقياس الفيزيائي “للاختلال”) تتناسب مع مساحة سطحه الأفقية ولكنه لم يستطع تحديد عامل النسبية بشكل دقيق.
ومع ذلك بدا أن درجة حرارة الثقب الأسود الفعلية يجب أن تكون صفر بما لا يتوافق مع هذه المقارنة لأنه لا يستطيع أي نوع من الطاقة الهروب منه ولهذا لم يكن هوكينغ وزملائه مهيئين لأخذ مقارنتهم على محمل الجد.
حول هوكينغ اهتمامه بعد ذلك نحو الآثار الكمومية في علاقتها بالثقوب السوداء وشرع في حساب لتحديد ما إذا كانت الثقوب السوداء الدوارة الصغيرة والتي ربما ولدت في الانفجار العظيم ستشع طاقتها. وذهل عندما اكتشف أنه بغض النظر عن أي دوران سوف تشع طاقتها- والتي تعني بحسب نظرية أينشتاين كتلتها. وبالتالي فإن أي ثقب أسود يمتلك درجة حرارة غير صفرية مما يتفق تماما مع مقاربة باردين-كارتر –هوكينغ. وتمكن هوكينغ من تقديم القيمة الدقيقة” ربع” لثابت الانتروبيا النسبية والذي عجز بيكينستاين عن تحديدها.
وهذا الإشعاع القادم من الثقوب السوداء والذي توقعه هوكينغ يعرف اليوم باستحقاق إشعاع هوكينغ.
وبالنسبة لأي ثقب أسود قد ينشأ في العمليات الفلكية الفيزيائية الطبيعية يكون إشعاع هوكينغ ضئيلا ولا يمكن ملاحظته مباشرة بالتقنيات المتوفرة اليوم. ولكنه أشار إلى أن ثقوبا سوداء صغيرة ربما ولدت خلال الانفجار العظيم وان إشعاع هوكينغ من تلك الثقوب قد يتنامى إلى انفجار نهائي يمكن ملاحظته.
لا يبدو أي دليل على مثل تلك الانفجارات مما يظهر أن الانفجار العظيم لم يكن مساعدا كما كان يرغب هوكينغ وكان ذلك خيبة أمل كبيرة بالنسبة له.
كانت تلك الانجازات مهمة بالتأكيد على المستوى النظري. وأسست نظرية الديناميكية الحرارية للثقوب السوداء: من خلال دمج عمليات نظرية الكم(الحقل) مع إجراءات النسبية العامة وأكد هوكينغ على إدخال عنصر ثالث، الديناميكية الحرارية.
والتي تعتبر من أكبر إسهامات هوكينغ ولها مضامين عميقة للنظريات المستقبلية للفيزياء بشكل لا يمكن إنكاره ولكن الطبيعة المفصلة لهذه المضامين لا تزال مدار جدل حامي الوطيس.
تمكن هوكينغ نفسه من الاستنتاج من كل ما سبق(ولكن بدون توافق عالمي مع فيزيائيو الجسيمات)ان تلك المركبات الأساسية للمادة الطبيعية- البروتونات- يجب أن تتفكك في النهاية ولكن بمعدل تحلل خارج نطاق تقنيات اليوم الحالي التي لا تقوى على ملاحظتها.
وقدم أسبابا للتشكيك بأن قواعد ميكانيكا الكم قد تحتاج إلى تحوير وهي وجهة النظر التي كان يفضلها في البداية. ولكنه تبنى لاحقا(وللأسف من وجهة نظري) وجهة نظر أخرى وفي مؤتمر دبلن العالمي للجاذبية في تموز 2004 أعلن على الملأ عن تغيير وجهة نظره(متراجعا قليلا مع الفيزيائي جون بريسكيل من كالتك) فيما يتعلق عما توقعه من “فقد المعلومات” داخل الثقوب السوداء.
حول هوكينغ اهتمامه بعد الثقوب السوداء نحو مشاكل جاذبية الكم وطور أفكار عبقرية لحل بعض القضايا الأساسية. تعتبر جاذبية الكم ،التي تشمل فرض العمليات الكمومية لفيزياء الجسيمات على بنية الزمان المكان، عادة القضية الأساسية الأكثر أهمية في الفيزياء والتي لم تحل لغاية اليوم. ومن أهدافها المعلنة إيجاد نظرية فيزيائية قوية بما يكفي للتعامل مع أحاديات الزمان المكان للنسبية العامة الكلاسيكية في الثقوب السوداء والانفجار العظيم.
لم يشمل عمل هوكينغ إلى هذه النقطة،بالرغم من تشميله لعمليات ميكانيكا الكم في الإطار المنحني للزمان والمكان لنظرية أينشتاين العامة للنسبية، نظرية جاذبية الكم. وسوف يتطلب ذلك تطبيق إجراءات”التكميم” على مكان زمان اينشتاين المنحني ذاته وليس على الحقول الفيزيائية ضمن الزمان المكان المنحي.
طور هوكينغ مع جيمس هارتل عملية كمومية للتعامل مع احادية الانفجار العظيم وتعرف عادة بفكرة “بلا حدود” حيث تستبدل الأحادية ب”غطاء” أملس ويرتبط ذلك بما يحدث في القطب الشمالي للأرض حيث يفقد مفهوم خط الطول معناه (يصبح مفردا) بينما يكون للقطب الشمالي نفسه هندسة جيدة.
وكي تكون هذه الفكرة ذات معنى اضطر هوكينغ إلى الاستشهاد بتصوره ل”زمن متخيل” أو اقليدسي الذي يمتلك أثر تحويل هندسة” الريمانيانية الكاذبة” لزمان مكان اينشتاين إلى هندسة ريمانية اعتيادية. وبالرغم من عبقرية الكثير من تلك الأفكار لا تزال هناك مصاعب عويصة( تتمثل إحداها بكيفية تطبيق اجراءات مماثلة للاحاديات داخل الثقوب السوداء والتي تعتبر شائكة).
هناك العديد من المناهج لتحري جاذبية الكموم على مستوى العالم ولكن إجراءات هوكينغ رغم احترامها و تعرضها لمزيد من البحث لا تتبع على نطاق واسع مع ما للبقية من نصيب من الصعوبات الأساسية.
تابع هوكينغ حتى أيامه الأخيرة أبحاثه في مسألة الجذب الكمومي وقضايا علم الكون الأخرى. وبالتزامن مع اهتماماته البحثية الصارمة شارك بشكل متزايد في تبسيط العلوم وأفكاره على وجه الخصوص. وبدأ ذلك مع تأليف كتابه المذهل” تاريخ موجز للزمن” عام 1988 والذي ترجم إلى 40 لغة وبيع منه أكثر من 25 مليون نسخة على مستوى العالم.
ومما لا شك فيه أن العنوان الرائع لعب دورا مهما في نجاح الكتاب المنقطع النظير. كما أن مادة الكتاب تستحوذ على اهتمام الجماهير. وهناك وضوح وسلاسة في الأسلوب طورها هوكينغ كحاجة ماسة للتغلب على إعاقته الجسدية. وقبل الاعتماد على نطقه الحاسوبي كان لا يستطيع التحدث الا بصعوبة فائقة وجهد كبير ولذلك تحتم عليه القيام بما يمكن باستخدام جمل قصيرة مباشرة تفي بالحاجة.
كما استحوذ وضعه الطبيعي على الخيال الشعبي.
كان تبسيط العلوم ونشرها بين الجماهير أحد أهداف هوكينغ من تأليف الكتاب مع هدفه الجدي لجني بعض المال. كانت التزاماته المالية كبيرة مع ملازمة عائلته وممرضاته والفنيين الطبيين له وتصاعد كلفة الأجهزة اللازمة والتي تم دفع قسم منها من خلال القروض.
وكانت دعوة هوكينغ إلى مؤتمر ما تحتم على المنظمين القيام بحسابات جدية. تكون تكلفة السفر والإقامة باهظة نظرا للعدد الكبير اللازم لمرافقته. ولكن تذاكر محاضراته الشعبية كانت تنفذ بسرعة فائقة مع القيام بالترتيبات اللازمة للعثور على قاعة محاضرات متسعة بما يكفي للجماهير. مع إيلاء اهتمام خاص بملائمة المداخل والسلالم والمصاعد لذوي الاحتياجات الخاصة وكرسيه المتحرك على وجه التحديد.
استمتع هوكينغ بشهرته التي مكنته من الأسفار والقيام بتجارب غريبة (مثل النزول في مهواة منجم وزيارة القطب الجنوبي وتجربة السقوط الحر في مجال منعدم الجاذبية) ومقابلة مشاهير آخرين.
تزايد الألق التقديمي لمحاضراته مع توالي السنين. كانت المادة المرئية في السابق تقتصر الرسومات الخطية على المحضرات الشفافة يقدمها أحد الطلبة. ولكن السنوات التالية شهدت تقديم مرئيات مولدة حاسوبيا وتحكم بالمادة المنطوقة جملة جملة والتي ينقلها الحاسوب بصوته و باللكنة الأمريكية. وحفلت كتبه المصورة الرائجة التالية مثل تاريخ موجز للزمن بالصور(1996) والكون بإيجاز(2001) بصور ورسومات حاسوبية عالية الجودة .
وكتب مع ابنته لوسي كتابا إيضاحيا علميا للأطفال بعنوان”مفتاح جورج السري للكون” عام 2007. كما عمل محررا ومؤلفا مشاركا ومعلقا في العديد من الأعمال العلمية المبسطة.
تلقى العديد من الأوسمة والتشريفات. انتخب زميلا في المجمع الملكي بعمر مبكر 32 سنة وحصل على أعلى درجات الشرف فيه وهي ميدالية كوبلي في عام 2006. وأصبح في عام 1979 الشخص السابع عشر الذي يجلس في كرسي لوكاسيان للفلسفة الطبيعية في كامبردج بعد 310 سنوات من تولي السير اسحق نيوتن ذلك الكرسي كثاني شخص في التاريخ. وأصبح زميل شرف عام 1989. وحضر كضيف شرف في البرنامج التلفزيوني ستار تريك: الجيل التالي. وظهر في البرنامج الكرتوني سيمبسون وجسد في فيلم نظرية كل شئ عام 2014.
كان مدينا بكثير من الاحترام لزوجته الأولى جين وايلد التي تزوجها عام 1965 وأنجب منها ثلاثة أطفال روبرت ولوسي وتيموثي. وكانت جين داعمة له بشدة في العديد من الطرق. ومنها على سبيل المثال السماح له بالقيام بشؤونه الخاصة إلى حد بعيد.
كان فرداً ذا عزيمة صلبة ويصر على القيام بشؤونه بمفرده. مما حافظ على نشاط عضلاته لدرجة أخرت ضمورها لاحقا وبالتالي أخر تطور المرض. ومع ذلك استمرت حالته بالتدهور إلى أن فقد القدرة على الحركة بالكامل وتلاشي كلامه المفهوم باستثناء القليلين ممن يعرفونه جيدا.
أصيب بمرض ذات الرئة أثناء زيارته لسويسرا عام 1985 وخضع لعملية شق الرغامى لإنقاذ حياته. ومن المثير للاستغراب بعد اقترابه الوشيك من الموت آنذاك توقف مرضه التنكسي. منعه شق الرغامى من الكلام بالمطلق لذلك احتاج لتركيب مركب كلام محوسب في ذلك الوقت.
بعد حادثة ذات الرئة تحول منزل هوكينغ إلى مرتع للممرضات والمساعدين الطبيين وبالتالي انفصل عن زوجته. حدث الطلاق عام 1995. وفي العام ذاته تزوج هوكينغ إحدى ممرضاته الين ماسون. كان الدعم الذي قدمته له يختلف نوعا عن دعم جين. ساعده الحب والرعاية والاهتمام الذي ابدته وهو في أضعف حالاته الجسدية على متابعة نشاطاته الفكرية. ولكن تلك العلاقة لم تدم وحدث الطلاق بينهما عام 2007.
كان ايجابيا طوال حياته بالرغم من وضعه الجسدي المأساوي . استمتع بعمله ورفقة العلماء الآخرين والفنون وثمار شهرته وأسفاره. واهتم بالأطفال وحاول تسليتهم احيانا بالدوران في كرسيه الآلي.
أولى اهتماما بقضايا المجتمع وشجع التفهم العلمي. كان كريما ظريفا . وفي بعض الأحيان يعرض شيئا من الجهل الذي لا يعدم بين علماء الفيزياء الحاذقين وكان ذا مسحة مستبدة. ومع ذلك يظهر تواضعا ينبئ بالعظمة.
درس على يديه العديد من الطلبة الذين تحولوا إلى علماء بارزين فيما بعد. ولكن التتلمذ على يديه لم يكن بالأمر اليسير. ويقال أنه داس على قدم أحد تلامذته بكرسيه المتحرك بعد أن استفزه.
حملت تصريحاته سلطة مطلقة ولكن معوقاته الجسدية حولتها إلى ألغاز بشجاعتها. وربما يعلم الزميل الخبير مقصده ولكن القضية ستكون مختلفة عند طالب مبتدئ.
ولمثل ذلك الطالب كان اللقاء مع هوكينغ يمثل تجربة مهولة.
وربما يطلب هوكينغ من الطالب سلوك طريق غامض لا يعرف السبب الغامض وراءه. لم يكن الإيضاح متوفرا وكان الطالب يحظى بما يشبه إلهام وحي- شيء لا يمكن التشكيك بحقيقته وفي الوقت ذاته يؤدي بعد التطوير والتفسير الصحيح إلى حقيقة متعلقة. وربما تركنا جميعا مع هذا الانطباع.
يحيا ستيفن من خلال ابنائه.
عالم الفيزياء ستيفن ويليام هوكينغ. ولد 8 كانون الثاني 1942
توفي 14 آذار 2018. العمر 76 سنة.
المصدر:
“Mind over matter”: Stephen Hawking- obituary
By Roger Penrose
The Guardian
March 14, 2018
-
إبراهيم عبدالله العلومهندس زراعي. مترجم.