تحت ظل العرش 5
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ
نشر في 07 ماي 2018 .
فموسى الذي رباهُ فرعونُ مؤمن ، و موسى الذي رباه جبريلُ كافر
كُلما سُئلتُ من أكثر الأنبياء تأثيرا في شخصيتك بعد محمد صلى الله عليه و سلم ، أجبتُ بدون تردد : موسى صلى الله عليه و سلم ، و الحقيقة أن قصة موسى ، فيها من العبر ما يملأ بين المشرقين عبرا و دروسا ..
موسى ، هذا الطفلُ العجيب .. الذي التقطتهُ أمه الثانية آسية من النهر ، و هو في محمل خشبي صغير ، و ملأ الرب جل و علا قلبها حبا له ، حينما تتدبر قصته ، تُدرك معنى أن الله لطيف خبير ، و خير الماكرين ..
ترعرع الطفلُ بين أحضان فرعون ، و لكنه لم يحببه يوما كما أحبتهُ آسية ، و شب ، و صار ذا شأن عظيم بين الأقباط و بني إسرائيل ، و كان يُعرف بابن الفرعون .. و كان موسى قويا ، شديدا عند الغضب ، فكان معه ما كان من أمر الذي من شيعته ، و الذي من عدوه ..
في هذه اللحظة ولد موسى من جديد ، فر بنفسه إلى الصحراء ، و ذهب إلى مدين من أجل أن يُصلح كما هو الأنبياء شأنهم حينما كانوا من البعثة يقتربون ، تزوج موسى خلال عشر سنوات قضاها مع الرجل الصالح بعيدا عن فرعون و زمرته .. ثم اشتاقت نفسه إلى أمه و أخيه و أخته ، فقرر العودة إلى مصر .. في طريقه إليها ، و بالظبط عند جبل الطور ، كلم ربه ، و كان منظرا مهيبا ، كلمه ربه كلاما مفهوما عند الشجرة المباركة ، و رغم خوفه في تلك اللحظة ، من تحول العصا إلى حية تسعى ، و تغير لون يده ، إلا أنه آنس من ربه كلامه ، كأنه كان يستزيد من كلامه معه ، تخيل أنك تُكلم رب العالمين مالك الملك من دون الناس أجمعين ، إنها لعمري كرامة كبيرة !
موسى صلى الله عليه و سلم كان قليل الصبر ، فبعد أن آنس كلام ربه ، و حينما ضرب الله له موعدا في الجبل المبارك بعد أن أهلك الله فرعون و زمرته ، طلب من ربه أن يراهُ .. طمع موسى صلى الله عليه و سلم أن يرى الله جهرة في الدنيا ، فقال له الله رأفة به ، أنه لن يستطيع رؤيته ، و من أجل أن يبين له أنه لن يقدر على رؤيته حتى لو أراد الله ذلك أخبره أن ينظر إلى الجبل ، و أن الله سيتجلى للجب ، فإذا استقر في مكانه ، فسوف يراه ، و إلا فلن يستطيع ذلك !
جعل الله بتجليه الجبل دكا ، و خر موسى من هول المنظر صعقا ، فلما أفاق قال : سبحانك تُبتُ إليك و أنا أول المؤمنين !
نعم يا رحمني الله و إياك ، انظر كيف أننا نستعجل النصر و نريد أن نرى ما وعدنا الله و رسله عيانا ، و نحن لا قبل لنا به ، و لم ننضج بعدُ من أجل الظفر به ، لم نصل بعدُإلى درجة الإيمان الذي به ستعود الخوارق مرة أخرى لتنصرنا على القوم الظالمين ، ما دامت أهواؤنا تحكمنا في الكثير من الأحايين ، ما دمنا لا نستطيع النهوض بأنفسنا إلى مصاف النخبة التي يريدها الله ، إلى مقام العبودية ، التي سينادى عليهم ب : يا عبد الله يا مسلم .
و لكن ، و كما أن الذهب تنقيه من الشوائب النار ، فما يحدث الآن ، و ما سيحدث في بقاع الإسلام ، هو تنقية لأهل تلك البقاع ، من أجل أن يكونوا على قدر الأحداث القادمة ، من أجل أن يقول المؤمنون : هذا ما وعدنا الله و رسوله ، و صدق الله و رسوله !
اعلم يا رحمني الله و إياك أن التاريخ سلسلة ذاتُ حلقات متماسكة ، فما يحدث اليوم ، لا يمكن فهمه إلا إذا نقبنا في التاريخ ، و بالظبط منذ أن نجا الله عز و جل موسى و قومه من فرعون ، منذ أن عُبد العجل ، و منذُ أن قال موسى عليه السلام لصاحب هذه الفتنة : اذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ! نعم ، موسى الذي وكز القبطي فقتله ، موسى الذي قال للخضر عليه السلام أقتلت نفسا زكية بدون نفس ، موسى الذي تحدى فرعون ، و أمسك بلحية أخيه هارون يجره ، قال لصاحب فتنة العجل الذي أدى ببني إسرائيل إلى الكفر و الشرك : اذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس .. و ذهب صاحب الفتنة ابن السامرة لا يمسه أحد منظر ينتظر اليوم الموعود !
نعم يا رحمني الله و إياك ، ما يقع الآن ، و ما سيقع من أحداث امتداد لتاريخ قديم مر عليه على الأقل الآن قرابة الأربعة آلاف سنة ، مرورا بصاحب الجزيرة ، و صاحب الدخ ، و من فهمهُ سيفهم الأحداث القادمة التي تسير بالعالم إلى قدر مقدور ، فيه خراب لأهل النفاق ، و شفاء لصدور قوم مؤمنين ، و إن أمة الإسلام اليوم لا تقرأ التأريخ ، و أحد أهم الإختلافات بينها ، و بين أهل الديانات الأخرى هو أنها لا تفقه تاريخها ، و حتى إذا فقهته ، لا تتعلم منه شيئا ، و بما أن لله سنة لا تتغير و لا تحابى أحدا من خلقه على الآخر ، فإن من يتعلم من تاريخه ، و يعمل من أجل السير قدما ، سيصل ، حتى و إن كان كافرا ، حتى ، و إن كان عدوا .
التاريخ حافل جدا ، بمعلومات ، أخفي بعضها عنوة ، و ضُعف بعضها ، من أجل أن لا تنتبه هذه الأمة النائمة الغافلة ، لأنها إذا استيقظت ، استرجعت كل ما سلب منها في عقود و أحقاب ، في سنوات قليلة ..
لا تنس أبدا أني أحبك في الله ، و لا تتردد أبدا في حفظ العشر آيات المنجيات .. من فتنة شر الخلق .. و كالعادة ، لا تنسني من دعوة بظهر الغيب ..
محبك مهدي يعقوب
-
يعقوب مهدياشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة