لماذا خُـلِقتُ أنثى ..
رقة الحياة أنت .. رقيها إذا ارتقيت !
نشر في 06 مارس 2016 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
لماذا خُـلِقتُ أنثى؟ سؤال يستحيل أن تصادف فتاة لم تسأله من قبل، خاصة إذا تعلّق الأمـر بمجتمعات عربية ذكورية لازالت دائرة المباح تتمدد فيها للرجل، وفي الطرف الآخر تضيق على الأنثى.
لماذا خُـلِقتُ أنثى؟ عند أول خطأ ترتكبه البنت ويُقابَلُ بالتوبيخ بينما يكون التساهل والتسامح في نفس البيت من أخيها.. عند أول فسحة لها مع صديقاتِها يقضين ثلثي مدّتها في الهرب من أعين المتربصين وتحرش المارّة وإزعاج المشوشين.. عند أول طلب لها أن تذهب للملعب لمشاهدة مباراة فتتعالى الأصوات معلِنةً عن رفضها القاطع والتحدث عن اللائق وغيـر اللائق..
عندما يتأخر زواجـه هو فيسمى عازب وعندما يتأخر زواجها هي فتسمى عانِـس.. عندما تردد جـدّتها: "لا تنسي أن الرجل مهما فعل يبقى رجُلاً"، ولا يغفـر زلاّتِـها هيَ لا أب عطوف ولا أم حنون.
أتراهُ أمـر صعبٌ أن تكون أنثى فعلاً؟ أن يقترن مزاجك بالألم غير المبرر غالباً والدموع المفاجـئة.. أم أن في الألم والدمع إذا اقترنا بقلـبٍ مليء بالحـب الكثـير من النعم؟ ماذا يعرِف الرجل مثلاً عن الألم؟ طبعاً ليس الكثير؛ لأن الأشياء التي تقابلها الأنثى بالألم عادة يقابلها هو بالغضب. ولكن الألم أرفع قدراً من الغضب، فعند الغضب يلوث القلب ويتسمم الجسد وتعمـى بصيرة العبد، أما الألم للذي يجـهل فلسفته فهو السـعادة القصوى، الإناث اللواتي يتألمن فقط من يعلمن كم هو عظيم أن تتألم.. الألم هو سعـة الداخل حدّ معانقتِه السماء.. هو الشعور الذي يجعلك دائماً في مناجاة.. هو الكـسرُ الذي لا ينسيكَ حقيقـتك وروعة الإنسان الذي تحمله بين أضلعِك.. هالة أقرب طريقٍ تعبد به مـولاك.. فالإنسان إذا توجع نظر إلى فوق وصرخ.. يـا الله.. أي أن أجمل ما فيه هذا الأمر أنه يجعل الأنثـى دائماً في عبادة.
أنتِ تعبدين الله عندما تتألمين..
وكذلك كان الدمع شلاّل الهموم الذي لا يبقى لدى الأنثى حبيس المـقلِ فيحـرمها تعبيرها الراقي.. أو أسير القلبِ فيجعل منه حجراً قاسياً.. أو سجين الروح فيفقدها معناها.. تلك اللآلئ المتدفقة جوهر المرء وعنـوان إنسانيته.. تتمسـك بها الأنثى حتى في أكثر المواقف التي يتوجب عليها أن تقفز فيها فرحاً، كي لا ينقرض أعمق ما في العالم وأجل ما فيه.
أنتِ تتطهرين عندما تبكـين..
عن الحــب.. لا أعتقدُ أن هناك من ينافس المرأة في قدرتها على هذا الفـعل النبيل.. الذي لا يعلمه البعض أن الأنثى دائماً في حب.. أي أنها تستطيع أن تعيش حالة حب حتى وإن لم تكن مرتبـطة بأحد.. فهي الكائن الذي يحب الحب لذاتِه، لطُهره، لجمـالِه، لمعانـيهِ.. فالحـب يتناسب مع فطرتها التي ستهب المعنى لحياة الرجل والحياة لجنين سيرى النور داخل أحشائها والدفء لهـذا الكون البـئيس.
أنتِ تـرتقين عندما تحبـين..
الأشياء التي تدفعكِ لأن تسألي نفسكِ: "لماذا خُـلِقتُ أنثى؟" هي أجملُ ما فيكِ.. وأروعُ ما يميزكِ عن الآخر.. هي من تصنع منكِ ذلك الكائن المتفرّد.. لذلك عيشي الألم والدمع والحب بتفاصيلهم وإيـــــاكِ أن تخـجلي!
-
السعدية بن التيس ( صحيفتك فملأها بما شئت )علمية التخصص .. أدبية الشغف !
التعليقات
رائعة ياسارة وبالتوفيق دوما .