عاد من يومه وقد انهكه التعب وبانت عليه علامات الهزيمة والحزن !
اراد ان يسترخي وينفض عن اكتافه آلام الزمان و وجع الايام وقبل ان يهم بالجلوس اسوقفته نظراته طاولة الشطرنج التي نصبها في ركن من بيته منذ زمن طويل فكم عشق هذه اللعبة حين كان فتيا .. عاد به شريط ذكرياته كالبرق الى عقدين واكثر من الزمان عادت به اهازيج فكره الى شبابه وقوته .. الى آماله واحلامه .. الى طموح ما انفك عن مناطحة السحب
تأمل طاولته مليا ، هي رقعة من اربعة وستين مربعا ..
ايام قد مضت من عمره !
تنقسم بين الابيض والاسود .. صلاح الايام وهفواتها !
يلعبها شخصان فقط .. هو والزمن !
فملك و وزيران وحصانان وثمانية بيادق ( جنود )
يليهما قلعتان و فيلان ؛ تلك ستة عشر كاملة
تلخصت بين شهاداته وتخصصاته وخبراته التي كان يدافع فيها دوما عن عرشه وعن وجوده وعن احلامه
لم يذق طعم الانتصار يوما كما انه لم يهزم منذ بدأت لعبة الحياة !
فعناده واصراره كانا كفيلان في وقوفه امام اصعب التحديات للحفاظ على رمزه ليظفر بلذة الفوز يوما وصولا الى مبتغاه كما كان يخبر نفسه ،
ففي كل صباح كان يملأ رئتاه في شهيق الامل ويرفض الا ان يزفر منهما التقاعس والتسليم .. فهو يعلم ان لعبته لن تكون على قدر من البساطة ابدا فهي اما انتصار وعلو واما نهاية مؤلمة يفقد فيها نفسه وحلمه ، لذا كان الصبر والتروي من اسس قواعده .. ففي معركته لا وجود للجبناء مهما حمي وطيسها لا بد من الثبات والا سيخسر من الجولة الاولى ليصبح بلا عنوان في مقبرة التاريخ !
منذ بداية اللعبة كادت تعلن نتائجها فخصمه كان رقما صعبا ما سبق انت سجل نكسة واحدة ولكن رباطة جأشه وثقة نفسه حالا دون ذلك .
تذكر فتاة احلامه وكم حارب من اجلها فقد كانت اول بيدق ( جندي ) يسقط في معركته ، عندها اغرورقت عيناه في دموع تتوسل النزول لذكرى سنوات الدراسة وكيف كانت الحياة تكاد تفتح ابوابها ؛ مترقبا تخرجه في حلم ازهقته سنوات الانتظار كي يصعد فيه مسرح التكريم ليخوض الحياة العملية ويتألق في نجاحاته لتوصدها في وجهه بلا رأفة ولا رحمة وترغمه بعد طلبات للتوظيف تجاوزت الستين بعد المئة ان يشق طريقه حطابا بحثا عن قوت يومه ليسقط البيدق الثاني في تلك المعركة !
وهكذا كانت حربه كلما سقط أمل أشهر في وجه عدوه غيره مكافحا مناضلا بطلا دون كلل أو ملل
ولكن الحرب قد وضعت أوزارها .....
ودقت أجراسها
والشّعْر قد غزاه الشيب ، والظهر قد انحنى ، وما عاد في البدن قوة ولا في النفس أمل ،
فما عاد هناك قلعة ولا فيل ولا عاد جندي ولا وزير
أراد العلو والنجاح .. أراد الشهرة والفلاح .. سنوات مضت في فقر وقهر وكفاح و ها هو اليوم يقف في بيته وحيدا يرقب ذكرياته ، يتأمل شبابه و يرصد كبواته!
نظر الى طاولته في ألم وكسرت دموعه قيود الكبرياء .. شهق بحرقة بعد عناء
( كش ملك )
الى مقبرة التاريخ بلا عنوان ولا كفن وأعلن هزيمته للزمن
عندها أغلق طاولته ورحل .
-
ابو البراءان تكون او لا تكون تلك هي المسألة ...!!!
التعليقات
أعيد قراءته فاجد نفسي فيه...