مشاعر متضادة تضج داخلنا حد الارتباك، حين نبصر ملامح حزينة، مرهقة، موجوعة. ملامح موشومة بوجع فقد أثير، ملامح أنهكها روتين العمل لساعات طوال، ملامح توغلت فيها الوحشة والغربة ...، تشي تعابيرنا بالتعاطف الفطري، وما نلبث أن نشاهد هذا التجلي الأخّاذ للجمال الخفي المتخلِّق من ذلك التعب الجميل. إن للحزن وجه شديد الجمال والخصوصية، بحيث لا يمكن أن تلحظ أثره في انفعالات البهجة أو صفو الخاطر. تهبنا المعاناة صورة بديعة التفرد، لا تجدها في ملامح أخرى، بل إنها تختلف في ذات الملامح في كل مرة، فلكل وجع بصمته المتفردة. ترى الجمال في هيئة انحناءة الجذع، كأمٍ تحنو، بلا تفكير، على رضيعٍ وهي تعلم للوهلة الأولى أنه حتمي اليتم، منقطع السُبل؛ أو قل، إن شئت، كانحناءة العارف أمام العاصفة النزِقة، إقرارًا بقدرتها الجامحة، وقدَرها في المضي، وحظة من الطمأنينة. تحس بالجمال في النظرة المسالمة المستسلمة، المبتسمة بوداعة شديدة العمق والمعنى، في ألَقِها الباهت، حيث يعيد الجمال تعريف ذاته كسيد للنقائض المتماهية. القسمات الساكنة، الكلمات المُثقلة، الجسد المتواني...، حتى الابتسامة المتأرجحة تزيد من جمال الحزن ومن حزن الجمال. ذلك المزيج المدهش، المليء بالجمال والجلال، بين ابتسامة التسليم وندوب النوائب، مزيج يجعلك تقف بخشوع أمام قدسية الحزن الرائع. لعلها رسالة اعتذار خفية يبعث بها الحزن للحزانى جبرًا لتصدّعاتهم، عبر آية، غير مكرورة، من الحُسن، تشع من ملامحهم الاستثنائية. أو لعله يحاول إنصاف جانبه المضيء، عبر قسمات المتعَبين، ليقول أنه ليس بذلك السوء، وأنه لم يختر أن يكون المعنى للجانب الخشن من الحياة. شكرًا للمحزونين والمُجهَدين على مداومة الصبر وابتسامة الرضى، شكرًا على تعبكم الجميل وجمالكم المُتعَب.
http://www.alriyadh.com/1780390
-
حسن أحمدشاعر، كاتب، ومؤلف.