الإتحاد الأوروبي وسياسة الكيل بمكيالين - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الإتحاد الأوروبي وسياسة الكيل بمكيالين

عيادات طبية مخصصة لعلاج اللاجئين الأوكرانيين دون غيرهم

  نشر في 13 ديسمبر 2022 .

دائما ما تتسبب الحروب في مآس للمدنيين، وتدفع بهم إلى ترك منازلهم والنزوح بحثا عن فرصة للنجاة. هكذا كانت ولاتزال الأمور، حيث يعلو صوت الرصاص ويخيم شبح الموت، بغض النظر عن المكان والزمان. لقد دفعت الحرب في أوكرانيا إلى نزوح ملايين المدنيين الأوكرانيين، مما شكل أكبر مأساة إنسانية في القارة العجوز في القرن الحادي والعشرين. وبحجم هول المأساة، تفاجأ العالم بحجم ازدواجية معايير المجتمع الغربي، الذي فتح أبواب بيوته وقلوب أهله للأوكرانيين ويحاول صدها في وجه غيرهم من العرب والأفارقة. وهذا ما أشار إليه المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره في جنيف) في تقريره بتاريخ 25 أبريل 2022، والذي تطرق فيه إلى ممارسات دولة الدنمارك ضد اللاجئين غير البيض مثل السوريين والأفغان والأفارقة والعرب، حيث قامت الحكومة الدنماركية بفتح عيادات طبية جديدة مخصصة لعلاج اللاجئين الأوكرانيين فقط دون غيرهم. وقبل هذا كانت قد طردت اللاجئين السورين وألغت تصاريح الإقامة الخاصة بهم وأقرّت قانونًا لترحيل طالبي اللجوء إلى دول ثالثة غير معروفة في أفريقيا. ونفس السياسة تبنتها في أبريل الماضي الحكومة البريطانية، من خلال اعتماد خطة تقضي بإرسال بعض طالبي اللجوء من المملكة المتحدة إلى رواندا، بالإضافة إلى منع قوارب المهاجرين بالقوة من الوصول للأراضي البريطانية عبر بحر المانش.

وعلى العموم، أظهرت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أن سلطات بروكسيل، بصفة عامة، وساكنة القارة العجوز، تتوفر على صدر رحب وقلب رهيف عندما يتعلق الأمر بغير الأفارقة والعرب والمسلمين. أولائك الذين يتوفرون على بشرة بيضاء وعيون زرقاء، المتعلمين المتحضرين، كما جاء على لسان بعض المسؤولين والإعلاميين الغربيين، كرئيس وزراء بلغاريا كيريل بيتكوف، الذي عبر عن استعداد دول الاتحاد الأوروبي للترحيب باللاجئين الأوكرانيين فوق أراضيها، وأشار إلى أنهم “ليسوا من اللاجئين الذين اعتادت عليهم أوروبا” لأنهم، حسب قوله، “أناس أذكياء ومتعلمون وبعضهم متخصصون في تكنولوجيا المعلومات وهم مؤهلون تأهيلاً عالياً”. وأضاف “هذه ليست موجة لاجئين اعتدنا عليها، حيث لا نعرف ماذا نفعل مع أناس لديهم ماض غامض، كأن يكونوا إرهابيين مثلاً. وهذا يعني أن كل مهاجر عربي أو إفريقي فهو متهم بالإرهاب، بخلاف أهم مبدأ معمول به في أروبا وهو مبدأ البراءة، قبل أن يثبت العكس. وهنا يطرح سؤال حول ما مدى تأكد السلطات الأمنية الأوروبية من خلو النازحين الأوكرانيين من الخارجين عن القانون والمطلوبين للعدالة، بالنظر إلى عددهم الكبير والمدة الزمنية القصيرة التي استغرقتها عملية استقبالهم.

وقبل تصريح رئيس وزراء بلغاريا، قال مراسل صحيفة “سي بي أس نيوز” الأمريكية، شارلي داغاتا، في مداخلة له في إطار تغطية الأحداث الدائرة في أوكرانيا، “هذه ليست العراق ولا أفغانستان، هذا بلد متحضر ودولة أوروبية ولا يصح أن يحدث فيها ما نراه الآن”. وكأن ما يحدث في العراق وليبيا وسوريا واليمن وأفغانستان والعديد من الدول الافريقية، من مآس إنسانية، شيء طبيعي ومألوفاً ولا يدعو لا للحزن ولا حتى للتعاطف، ولا يسبب الأرق لأحد عند الخلود للنوم.

وبالفعل قامت السلطات الأوروبية في بروكسيل بإجراءات جعلت من دخول الأوكرانيين إلى منطقة شنغن عملية سهلة للغاية، فتوافد على الدول الأوروبية ما يقارب 4.2 مليون أكرانيا، مستفيدين مما يعرف بـ "وضع الحماية المؤقت" الذي أحدثته سلطات بروكسيل وبعض دول التكتل الأوروبي. وبموجبه حصل النازحون الأوكرانيون على الحق في العمل والرعاية الصحية والبرامج التعليمية وغيرها من الخدمات، ناهيك عن مساعدات مالية لمدة تصل لثلاث سنوات.

ومن أجل مساعدتهم على الاندماج، عملت السلطات الأوروبية وبعض الدول الأعضاء فيها على تخصيص ميزانيات ضخمة لتطوير برامج تعليمية ملائمة وخاصة، وأخرى تهم الدعم النفسي، بالإضافة إلى تمويل ميكانيزمات لتسهيل الوصول لفرص الشغل للنازحين من أوكرانيا، وهو ما لم يحصل بالنسبة للنازحين من سوريا، الذين حالفهم الحظ واستقبلوا فوق الأراضي الألمانية مثلا، فيما العديد منهم خالفهم الحظ وتلقوا معاملات غير إنسانية على حدود بعض دول أوروبا.

في مقابل ذلك، يلاحظ ارتفاع العنصرية والعداء ضد المهاجرين والنازحين من الدول الإفريقية والعربية. على سبيل المثال لا الحصر، حذر رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان من ازدياد أعداد المسلمين في القارة العجوز مع مرور كل يوم، زاعماً بأن أوروبا سيصعب التعرف عليها جراء ذلك، وقاوم بشدة دخول السوريين لأوروبا. ولا تكترث سلطات بعض الدول لطلبات النجدة التي تطلقها بواخر الإغاثة المحملة بالمهاجرين، الذين يتم انتشالهم من مخالب الموت في البحر المتوسط، وتمنعها من الرسو في موانئها. لكن بكل سهولة، يستقبل الاتحاد الأوروبي على الجهة الشرقية، ما يقارب 4 ملايين ونصف المليون أوكرانيا، الذين هم بنفسهم أبانوا عن عدائهم للأجانب بمنعهم للطلبة غير البيض من ركوب القطارات للهروب من الحرب، وضيقوا الخناق على الناطقين بالروسية في شرق البلاد، وهو ما كان أحد أسباب الحرب.

ويوفر الاتحاد الأوروبي للنازحين الأوكرانيين ليس فقط الوسائل الضرورية من ملجأ ومأكل، بل حتى وسائل العيش الرغيد، قد يفوق مستوى عيش بعض مواطنيها الأصليين. وفي المقابل تحاول السلطات الأوروبية، المتشبعة بالنظرة المتعالية الموروثة من حقبة الاحتلال، طرد المهاجرين من شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وتضغط على حكومات دولها بشتى الطرق، ليس فقط للحد من تدفق المهاجرين، بل من أجل الموافقة على استقبال المطرودين منهم من أوروبا بمن فيهم من قضوا سنوات فوق أراضيها، وحتى أولائك الذين ولدوا وكبروا فوق ترابها، لكنهم لم يصبحوا مواطنين صالحين، لأسباب اجتماعية واقتصادية، يرجع جزء منها إلى سياسة دول استقرارهم. وتُحمّل سلطات بعض الدول الأوروبية سلطات الدول المصدرة للمهاجرين عواقب فشل عمليات طردهم، التي هي في الأصل ناتجة عن عراقيل قانونية وضعها المشرع الأوروبي نفسه. فمثلا أصدرت السلطات الفرنسية قرارًا بترحيل المغربي حسن إكويسين، المولود والمترعرع في فرنسا، لكنه فر إلى بلجيكا، حيث حمته سلطات هذه الدولة من الترحيل وامتنعت عن تسليمه لسلطات فرنسا، وعوض الضغط على بروكسيل لتسليمه لها، تتهم المغرب بفشل ترحيله.

للإشارة، كان موضوع ترحيل المهاجرين نقطة خلاف منذ مدة، لكن بعد انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتدفق النازحين الأوكرانيين إلى أوروبا، زادت حدة الخلاف بين بعض الدول الأوروبية، على رأسها فرنسا ودول شمال إفريقيا، المغرب والجزائر وتونس. وهي دول، كما اتضح، لم تساير الغرب في عدائه لروسيا، وتحاول الحفاظ على مصالحها من خلال الوقوف على مسافة من النزاع بين روسيا والغرب، لأن دول شمال افريقيا تعتمد في توفير أمنها الغذائي، بصفة متفاوتة، على الحبوب الروسية والاسمدة الكيماوية والمعدنية ذات التكلفة المنخفضة.

هذه الدول الثلاث، التي هي مرتبطة تاريخيا بفرنسا، ومقيدة باتفاقيات مجحفة تعود لفترة استقلالها عن فرنسا، التي هي الوجهة الأولى لمواطني المغرب العربي، وجدت نفسها تحت عقوبة من نوع خاص، تتمثل في تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة لمواطنيها إلى النصف. هذا إن استطاع مواطنو هذه الدول بصفة عامة، والمغاربة بصفة خاصة، وضع ملفات طلب التأشيرات لدى مكاتب التأشيرات، بسبب التلاعب في مواعيد وضع الطلبات وصعوبة الحصول عليها. وبسبب هذا الإجراء للسلطات الفرنسية، ازداد الضغط على مصالح التأشيرات في القنصليات الأوروبية الأخرى المنتمية لمنطقة شنغن، فازدهر التلاعب بالمواعيد والاتجار بها، لدرجة لم يعد من السهل بمكان الحصول على موعد لوضع طلب التأشيرة لدولة من دول شنغن بدون مقابل.

والنتيجة أن العديد من المغاربيين لم يتسن لهم السفر إلى فرنسا، وضاعت مصالحهم، كالطلبة الجدد الذين لم يستطيعوا الالتحاق بمؤسسات التعليم المسجلين بها، ورجال الأعمال والأطباء والمثقفين والصحافيين، وحتى بعض المرضى الذين كانوا يطمحون للسفر من أجل العلاج، وبرلمانيين ووزراء سابقين. ومن الغريب أن مسؤولين بإدارة الإليزيه يعتبرون هذا الإجراء سليماً موجهاً ضد سلطات البلاد وليس ضد الشعوب، وسيستمر إلى أن تعدل سلطات الدول الثلاث عن مواقفها التي لا تتماشى مع موقف السلطات الفرنسية، سواء فيما يتعلق بالهجرة أو موقفها من الحرب في أوكرانيا. لكن الأغرب في هذا كله أن المصالح القنصلية الفرنسية تستخلص مصاريف التأشيرات التي تعادل ما يقارب 80 أورو للطلب الواحد، وتحتفظ بها رغم رفضها لطلب التأشيرة، وتعتبر السلطات الفرنسية ذلك من حقها نظير الاطلاع على وثائق الملف.

إضافة إلى ما تم التطرق إليه من سياسية الكيل بمكيالين المتبعة من طرف السلطات الأوروبية تجاه جيرانها في الشرق والجنوب، يبرز الفرق في الإعانات المادية، ليس فقط من حيث الكم وإنما كذلك من حيث مجال صرفها. فإذا كانت بروكسيل خصصت لأوكرانيا فقط خلال 2022 تسع مليارات أورو، فإنها خصصت لجيرانها الجنوبيين، أي دول جنوب البحر المتوسط 19.3 مليار أورو للفترة بين 2021 إلى 2027، لكن هذا المبلغ موجه بالأساس إلى توفير الأمن للدول الأوروبية، وليس لتطوير البنى التحتية أو تحسين الوضعية السوسيو-اقتصادية. على سبيل المثال لا الحصر، خصص الاتحاد الأوروبي 500 مليون أورو للمغرب من أجل صد المهاجرين من الوصول للشواطئ الأوروبية، وخاصة المغاربيين والأفارقة.



  • محمد الكناوي
    صحافي متهتم بالشأن الروسي ودول الاتحاد السوفييتي سابقا.
   نشر في 13 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا