كل عام في قريتنا كانت تقام احتفالات المولد النبوي بصورة تعجبنا نحن أطفالها، كانت تتحول الشواري لمدينة ملاهي كاملة ،وأفراح بالمزامير والحلوي تستمر لبضعة أيام فقط ، أما أنا ف هذه الأيام كان نصيبي هو تلك الأرجوحة التي وضع عليها صاحبها جميع ألوان الطلاءات فلا يفوتها شئ في تلك الأيام الثلاثة.كانت تشبه المركب ،تتعلق بعمود حديدي يثبتها .
كنت أقف وامسك بذالك العمود وكأني جندي ممسكا بندقيته ، لا يستطيع أي شئ أن يقف بطريقي ، فستقوم تلك الأرجل الصغيرة بشقلبتها ف الهواء مرة تلو الاخري بمساعدة صديقتي ،فقد كنت محظوظا في اختيار شريكا، ذلك الشريك كان صديقتي التي كانت تجيد صنع هذه الشقلبات البهلوانية أيضا ، كان صراخنا في تلك اللحظات هو دليل آخر علي متعتنا متسببا ذلك في زيادة الادرينالين الذي يسري في عروقنا، لم يكن يستطيع أي شئ أن يوقف تدفقه طوال تلك الأيام الثلاثة ،ولم يكن يستطيع أن يصل لدمائنا مرة أخري إلا ف نفس الموعد في العام القادم .
وتمر الأيام وها أنا ذا أدرس الطب ،وأدرس علم التشريح فلا أستطيع أن أقبض علي ذاك الأدرينالين بين يدي،فقد عرفت بعدها ف مادة الوظائف العضوية أنه مادة كيميائية تفرز بداخلنا حين نتعرض للإثارة من أي مؤثر خارجي .
فيا للعجب ، تلك الأرجوحة البسيطة كانت قادرة علي ملئ جسمي بتلك المادة الممتعة ،التي كانت تجعلني كلما ألمحها في صورة قديمة أشعر بأني ما زلت في الخامسة .
ولكن الآن وبعد عشرين عاما و كم من الامتحانات المجهدة وكثير من العلاقات الاجتماعية المرهقة قررت تلك المادة أن تعبر عن خوفي فقط ،وكأن لم يعد شيئا يثير متعتي،فأنا لا أشعر سوي بالخوف الدائم في معظم الأوقات حتي وأنا جالس علي مقعد في حديقة هادئة.
مازلت أفكر وأفكر من هذا الطفل الذي كان ينتظر تلك الأرجوحة البسيطة من العام للآخر ؟ لماذا أشعر الآن بأن شريك أرجوحتي لم يعد خيارا مثاليا لأي واحدة اخري سأركبها في المستقبل، كيف سأدع نفسي بين يدي ذلك المتهور مرة أخري ؟ ،ربمالا أستطيع سوي القول بأن أسوء وأجمل ما قد يحدث للإنسان هو أن ينضج .