شكلت التجربة البعثية التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين أول منعثق للشعر العربي من الجمود و الخمول بعد سبات دام حوالي خمسة قرون ، عرف فيها الشعر العربي إنعكاسات صارخة أثرت بشكل كبير على القصيدة العربية إذ جعلتها هشة و ضعيفة مفتقدة للشدة و الصلابة. لذلك رأى مجموعة من الشعراء العرب إعادة بعث هذا الشعر حتى يستعيد مكانته و قيمته كسائر الفنون الأدبية، تلك المكانة التي سلبها عصر الإنحطاط الأدبي، و ذلك عن طريق تقليد السلف القديم من الشعراء، حيث جعلوهم أسوة لهم و ساروا على منوالهم و نسجوا أشعارهم من خيوطهم حتى يعيدوا للشعر العربي هيبته و حضوره بين الأجناس الأدبية الأخرى.
ارتبطت إذن مدرسة البعث و الإحياء بالوعي التاريخي الذي تشكل في الواقع العربي بضرورة التفكير في إحياء الأمجاد التاريخية،الماضوية، و اعتبارها نموذجا أدبيا و حضاريا مثاليا أي بمثابة ذلك المثل الأعلى. هذا الوعي التاريخي الذي حرك مدرسة البعث و الإحياء يعني حتما أن هذه المدرسة لها نزعة ثراثية في ممارسة الشعر و تمثل قيمه و وظائفه. إن هذا الإختيار الذي تبنته مدرسة البعث و الإحياء هو إختيار قهري و إضطراري ليس له بديل، فالشعراء الذين ينتمون لهذه المرحلة إلا إعادة إنتاج القيم الأدبية القديمة.
كما أن هذه "النهضة" الشعرية تحققت وفق منطق التدرج، فالتحرر و الإنعتاق من خصوصيات الإنحطاط الأدبي إحتاج إلى أطوار متكاملة فيما بينها، فالنص الشعري في عصر الإنحطاط كان يفتقد لروح الحس الإبداعي و أصبح مجرد نصوص عارية و خالية من أية نزعة إبداعية أو ذاتية. هذا الإنحطاط ليس بدوره إلا إمتدادا للإنحطاط التاريخي العام، و التفكير في إعادة إحياء الشعر العربي لا ينفصل عن المشروع النهضوي الذي بدأه بعض المفكرين العرب من أجل إعادة إحياء النموذج العربي القديم الذي تميز بالإبداع حسب معايير ذلك العصر. و بذلك نستنتج أن الثراث الشعري العربي القديم، شكل خزانا استثمره شعراء البعث و الإحياء من أجل إنطلاقة جديدة مع شعراء نجحوا في اقتباس و استيعاب و تمثل نموذجية الماضي و مثاليته. تجذر الإشارة إلى أن المحاولات الأولى للنهضة الشعرية بدأت محتشمة إذ لم يتجسد فيها النبوغ الأدبي، لكنها عبرت عن طموح و انشغال و تطلع و هم ثقافي يتجلى في ضرورة إنقاد الشعر العربي.
أما فيما يتعلق بخصائصها و مضامينها، فيمكن القول و بإيجاز كما توضح للقارئ أن هذه الحقبة لم تحد عن المبادئ و الأسس الأسلوبية و المضمونية للشعر القديم، حيث أخذوا عنهم بداوة المعجم و إحتفظوا بقانون التفعيلة الخليلي الذي يقوم على وحدة الوزن و القافية و الروي، كما إحتفظوا بنفس
إن مشروع المدرسة الإحيائية كان مشروع حضارة عامة و نتاج لضرورة و وعي تاريخيان. لكن فيما تقدم ذكره يمكننا القول أن الشعر الإحيائي يفتقر إلى مقومات الإبداع والتجديد، لأنه شعر خطاب أيدولوجي موروث لا نجد فيه أي شكل من أشكال الإبداع شكلا و مضمونا اللهم إلا تقليد ما تغنى به القدماء، و كأنهم يبكون مع طرفة ابن العبد على أطلال خولة.