ما هو أعمق من التصويت
الأخلاق أولا
نشر في 14 يونيو 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
قبل الإعلان الرسمي عن الملف الفائز باحتضان كاس العالم، أعربت السعودية وحلفاؤها عن موقفهم من الملف المغربي، وما تصويتهم البارحة إلا تحصيل حاصل، هذا الموقف خلق استياءا كبيرا لدى المغاربة والكثير من العرب، مما سبب في إثارة جدل كبير على الشبكات الإجتماعية، الهدف من هذا المقال هو محاولة تحكيم للمنطق في الموضوع، وتسليط الضوء على اشياء أكثر أهمية.
نتيجة منطقية
لو أخذنا بعير الإعتبار النقطة التقنية التي حصل عليها كل ملف فإن كل محايد كروي وبالمنطق سوف يصوت لصالح الملف المشترك، فالملف المغربي بالكاد حصل على المعدل، وهذا ليس ظلما ولا تحيزا للملف الأمريكي، بل إن عبور المغرب لمرحلة التصويت كان أمرا مستبعدا قبل شهور.
من ناحية أخرى الفيفا لا تبحث عن المداورة بين الدول، ولو أرادت ذلك لمنعت الدول التي احتضنت المونديال من تقديم ترشيحاتها في الماضي والحاضر، فهاجزها الأول والأخير هو تنظيم مسابقات عالمية بمعايير عالية وضمان أرباح مادية محترمة.
بالنسبة لحجة أن المغرب له تجارب في تقديم الترشيحات، فهاته الحجة تحسب علينا لا لنا، طبعا ما دام المغرب لم يوفز باحتضان أي ملف فإنه من العقلانية عدم الإستثمار في بناء الملاعب التي لاتضمن دخلا ماديا كبيرا، لكن عدم الإلتزام بالأوراش الموازية من بنية تحتية، ومستشفيات ومراحيض عمومية -لا أمزح هنا فالأمر جد هام-، هو شوكة في حلق ترشيح المغرب.
ما فاجأني ليس فوز الملف الأمريكي، بل تصويت بعض الدول التي كان المغرب يعول عليها، وأبرزها في نظري تصويت أحد سفراء ملف المغرب للملف المنافس.
خسائر بالجملة
لا أتحدث هنا عن خسارة المغرب في سباق الإحتضان فيكفيه شرفا أنه وصل لمرحلة التصويت ضد ملف قوي متكامل جندت له أعظم دولة في العالم كل إمكانياتها حتى تفوز به.
ما آلمني هو سيل السباب والشتائم بين الشعوب على الشبكات الإجتماعية، فإن كان أصحاب القرار في السعودية والإمارات وغيرهم قرروا دعم الملف الأمريكي، فما ذنب شعب بأكمله من قرارات أشخاص لم يخترهم بالضرورة للتعبير عن رغباته، والوضع عندنا كذلك، فالكل يعلم أن الحكومة حاليا في ابعد ما يكون عن الشعب في قراراتها وخرجاتها الإعلامية، وكما تداول الكثيرون فأن مجرد رؤية بعض الأشخاص في اللجنة المغربية المكلفة بملف احتضان المونديال كفيلة بالزهد فيه.
تحديث بعد نشر المقال : هاشتاغ رائج يوم افتتاح المونديال من الكويتيين : #الشعب_الكويتي_يعتذر_للمغرب مثال آخر لتعارض رغبة الشعوب مع متخذي القرار.
من الناحية الأخرى أيضا خرج بعض المواطنين السعوديين بتغريدات لا أخلاقية، لكن هذا لا يجب أن يكون مبررا للإنخراط في هاته الملانسات والجدالات.
للأسف موضوع التصويت كشف هشاشة كبيرة في تعاملنا مع الأزمات، وكذلك عن سرعة انفاعلنا، وتحكيم النزعات بدل المنطق والأخلاق.
ولو خذلتنا السعودية كعرب في موضوع ثانوي مثل احتضان كأس العالم، فقد خذلنا بعضنا البعض كعرب ومسلمين في قضايا أهم على سبيل المثال لا الحصر قضية الشعب الفلسطيني الذي تُرِك وحيدا منذ القرن الماضي، وفقد مع المدة بعامل التقادم تعاطف المنطومة العالمية بل وحتى المسلمين والعرب.
مثال آخر عشته شخصيا
في سنة 2011 ومباشرة بعد المباراة الشهيرة بين المغرب والجزائر التي انتهت بفوز كبير للمغرب على الجزائر، وتأهل المغرب لكأس إفريقيا، شاءت الطروف أن أكلف بمهة في الجزائر الشقيقة.
سافرت إلى الجزائر وقد وكلت أمري لله، وكنت أحاول ما أمكن أن أخفي هويتي المغربية للخلاف بين الشهير بين الجزائر والمغرب حول موضوع الصحراء، إلا أن كل محاولاتي باءت بالفشل فلكنتي المغربية الشمالية تفضحني بسرعة.
الغريب والجميل أنه بمجرد ما يتعرف علي أحد الجزائريين كمغربي فإنه يبالغ في إكرامي و الترحيب بي، بل وينادي أصدقائه للتعرف علي، أذكر جيدا أنني لم اصرف إلا دنانير قليلة في مهتمي تلك فأصدقائي وإخواني الجزائريين أكرموا وفادتي، سواء من زملائي في العمل أو زبناء نوكيا في شركات الإتصالات بل حتى من طرف طاقم الفندق التي كنت أقيم فيه.
هاته التجربة ظلت راسخة في ذهني إلى يومنا هذا، راسمة لوحة طيبة عن رقي الأخلاق والتسامح والأخوة بين شعوب الإنسانية.
خلال مدة عملي بنوكيا كنت بين الفينة والأخرى أجري تنقلات خارج المغرب وفي كل مرة كنت ألتقي أشخاصا من البلدان التي أزورها ومعظمهم أجمل ذكريات طيبة معهم سواءا كانوا من تونس أو السعودية أو إيطاليا بل وحتى ابعد الناس عنا ثقافيا وجغرافيا في الصين.
ومع ذلك ....
ومع ذلك بخصوص تشجيع المنتخب الروسي ضد السعودية في مباراة الإفتتاح فلا أرى أن الأمر بذلك السوء، فتشجيع الفريق الفلاني أو العلاني لن يغير من نتيجة المباراة شيئا، فالكرة تلعب فوق المستطيل الأخصر وليس على شاشات الهواتف الذكية، وجدران الشبكات الإجتماعية.
مونديال سعيد، فرجة ممتعة، وقبل كل شيء عيد فطر سعيد، وكل عام عام وأنتم بألف خير.
-
ضياء الحق الفلوسطالب علم في مدرسة الحياة. مولع بسباقات الطريق مولع بالبرمجيات و مسابقات البرمجة و التكنولوجيا الحديثة. مولع أيضا بالتدوين والرسم والتصوير.
التعليقات
مقال جميل , و بالتوفيق .
انتظر تتمة قصص المونديال ...