نشر في 06 نونبر 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
غريبة هي الحياة في تفاصيلها... و غريب أن يعيشها البعض طولا و عرضا و يحسب أنه يستمتع بها في حين أنه لا يدرك من تفاصيلها الصغيرة شيئا... و لا يدرك أن التأمل في هذه التفاصيل هي المتعة الحقيقية للحياة.
لا أخفيكم سرا أني لم أنتبه يوما إلى أني كنت أعاني ضعف البصر...
و بدأت ألاحظ بالتدريج أنى لا أرى ملامح الناس من بعيد.... و مع ذلك لم يخطر ببالي أنه ضعف بصر...أو لنقل لم أرد أن يخطر ببالي ذلك.
و ظللت لسنوات دراستي كلها في الجامعة أبدد شكوكي في أني أعاني من ضعف البصر حين لا أقوى على الرؤية من المدرج و أمني نفسي ببعض الجمل من قبيل...
"جهاز العرض data show فيه خلل فهو لا يظهر الكتابة واضحة"أو من قبيل" جلوسي في آخر المدرج ربما سبب عدم الرؤية الواضحة للعرض".... و هكذا....
إلى أن مرت السنوات تلو السنوات و تأزمت الرؤية خصوصا أثناء السياقة...فقررت زيارة الطبيب مضطرا...
طبعا.... من خلال ما سبق ...لا شك في أنكم فهمتم أني أعاني ضعفا في البصر myopie و لم يكن ليخفى على أحد ذلك.
أحسست ببعض الاسى على نفسي.... أالبس نظارة؟؟
و لبست النظارة مرغما ...
ثم كانت المفاجأة......
أنا أكتشف عالما واضحا جديدا.... فعلا كان إحساسا غريبا في تلك اللحظة التي ارتديت فيها النظارة.
رأيت الوجوه بوضوح و علامات الطريق و الاضواء لم تكن تؤذيني....
رأيت العروض من بعيد واضحة جلية....
سأخبركم بشيء....
أحسست بالاحراج مع نفسي.... كيف أقنعت نفسي طول هذه السنوات أن ما كنت أراه كان هو الحقيقة؟ كيف لم أشك في أن مشكلتي تكمن في عيني في حين شككت في كل ما حولي؟؟؟ كيف قبلت النظر إلى العالم مشوشا غير واضح؟؟؟
حسنا.... كان الدرس الاول الذي علمته لي نظارتي العزيزة... و صرت بعدها عاشقا لنظارتي لأنها أرتني العالم على حقيقته...
أحيانا نتعامل مع العالم بنفس الشكل.... نظل ننظر إلى الناس و المواقف و الحياة بالطريقة التي نريد أن ننظر إليها بها دون بذل جهد و لو بسيط من أجل البحث عن الحقيقة .
و الأكثر من ذلك ... تراودنا العلامات من هنا و هناك مؤكدة لنا مدى الوهم الذي نعيش فيه...لكننا نصر على أن لا نرى الحقيقة... فقط لأننا قد نخاف منها بشكل أو بآخر.
و لا نظن بأن في الحقيقة فقط يكمن الأمل و الراحة و السعادة.
نظارتي العزيزة.... أشكر لك صنيعك هذا... و قد طلبوا مني استبدالك كثيرا بالعدسات اللاصقة...لكني مصر على ارتدائك أنت...
طبعا... فما اكتشفته معك كان أكبر من وضوح الرؤية... لقد كان وضوحا للحياة.
-تأملات في فلسفة تقبل النظارات-
يتبع....
بقلم:
Z.Brh
التعليقات
من الصعب والمجهد لافكارنا وحياتنا هو خوفنا من الحقيقة والاصعب والامرّ يوم تُبان الحقيقة . انه لأمر جلل حقاً ... مقال جيد و ممتع
تحية احترام وتقدير اخي .. دُمــت
فالوفاء لأشياءك القديمة ينعكس علي صاحبها فيزداد وفاءاً لـ غيره .. تحياتي لك
قرأت مقالك... رائع.. جديد.. سلسل.. وفكرة عميييقة جداا...
هل تعرف.. أكثر ما جذبني هو مماثلة نظارتك لسماعة أذني التي أرفض أن أستخدمها.. لأنني أحاول أن أعتاد الصمت....
رااائع يا أحمد.....
أيضيعُ عبدٌ لا يفارقُ نُطقَه:
يا حيّ يا مولى إليك حياتي
رزقك الله البصر والبصيرة اخي احمد ...
فلسفة رائعة في مخاطبة نظارة...فعلا هكذا نرى البشر بوضوح دون ضبابية