مناقشة مقال د.حذيفة عكاش حول مدرسة المسيري - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مناقشة مقال د.حذيفة عكاش حول مدرسة المسيري

المسيري بين النظرية والواقع

  نشر في 11 ماي 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

هذه مُطارحة مُختصرة من طرف واحدٍ إلى الآن, وذلك إثر الإطلاع على مقال كتبه الأخ الصديق د.حذيفة عكاش تحت عنوان: مدرسة المسيري وأسئلة الواقع والذي نُشر يوم الأربعاء الثامن من أيار لعام 2019, وقد كتبتهُ على صفحته الخاصة كتعليق على مقالته, إلا أنّني قمت ببعض التعديلات البسيطة من الناحية الشكلية على المُطارحة بعد أن قررت نشره في مقال منفصل.

رابط المقال للإطلاع: http://tiny.cc/54lj6y 

نص المقال:

حياكم الله د.حذيفة وبارك الله في قلمكم

الحقيقة يُسعدني أن تُطرح هذه المواضيع وتُثار في عالم الأفكار للوصول بالقارئ لحالة الوعي المطلوبة, والمقال يحتوي مجموعة من النقاط التي أوافقك عليها تماماً, لكن اسمح لي أن أختلف معك في بعض النقاط الأخرى, اختلاف لإثراء المادة ... وأنا هنا لست أدافع عن المسيري رحمه الله, الرجل يُدافع عن نفسه بفكره وتنظيره وقلمه, إذ لست من أنصار مدرسته بالكلّية, ولكنّني بطبيعة الحال متأثر بها كما أنّني متأثر بنخبة المدارس الاسلامية والحركية والتي تصوغ الشخصية المسلمة في النهاية, وفي الحقيقة كنت أنتظر أن يكون المقال أكثر وضوحاً ومنهجية في طرح نقاط صريحة و ناقدة لمدرسة المسيري كما يدلّ العنوان, لكنّني وجدت أفكاراً لطيفة ومتناثرة وعائمة.

وانا أعلم أنّ ساحة الفيسبوك لا تسمح كثيراً بنقاش الأفكار وإجراء عمليات المثاقفة بحرية تامّة, فهي محدودة في النهاية, ولعلّ الله يكتب بيننا لقاء فنجلس ونتناقش بروّية مع فنجان قهوة تركية معتّق, لكنّها مُجرّد نقاط مُختصرة (أو أتمنى أن تكون كذلك) أحببت مشاركتها معكم ومع القارئ الكريم:

- في البداية سيدي الكريم علينا أن نعي نقطة مهمة مفادها أنّ عمليات النقد اليوم انتقلت أصلا من مفهوم التحديث ثم الحداثة (والتي هي في مُجملها رؤية للعالم وللآخر وللذات, وتنطلق من معادلة أنّ العالم في جوهرة مادة وتحكمه القوانين المادة البحتة) والذي بات يُعتبر قديماً في عمليات النقد ... اليوم انتقل إلى مفهوم ما بعد الحداثة (النسبية المطلقة في كل شيئ واللاعقلانية أو المادية الجديدة والتسوية وغير ذلك من المواضيع). ناقش المسيري ذلك وعاصر هذا الحراك الفكري وله فيه مشاركات جيدة. الرجل يتطور بتطور المفاهيم, وليس عالقاً في عصر الحداثة دون انتباه لتطور الأفكار في الغرب والشرق, فالحديث اليوم هو عن المابعديات: ما بعد الرأسمالية وما بعد التاريخ الخ, وهي ليست رفاهية بقدر ما هي قراءة عالية المستوى لنهاية الأفكار (ما بعد = نهاية) في الغرب واستبدالها بمنظومات جديدة. فهو إذن لم يستفرغ دوره كما يظن الظان, ما زالت مجموعات لا بأس بها من النخب مأخوذة بالنماذج السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإعلامية في الغرب, وجزء كبير منها فقد علاقته بالتراث وانقطعت لديه الجذور.

- ثم علينا أن نُميّز بشكل دقيق بين الهجائية وبين البحث عن الحقيقة, هناك اختلاف كبير بين المفهومين, فالشخص الذي يسعى جهداً كبيراً لتفسير الأشياء من حوله ويحاول بكل ما يستطيع أن يفهم الأنماط ضمن إدراك البعد المعرفي في عملية بحث دائبة ومهنية وأكاديمية لا يُمكن أن نطلق عليه صفة الهجائية من وجهة نظري, خاصة إن كان قد درس الحضارة الغربية دراسة من خلال نماذج وإسقاطات ونظريات ومعاشرة للواقع. نعم, هو في نظرته الكلّية سلبي بعض الشئ, لا ننفي عنه ذلك, لكنّه ليس هجائياً بمعنى تقصّد الذم والقدح والإنتقاص والتسلّي بذلك.

- الرجل في مسيرته العلمية وفي أكثر من مرة أشار لإنجازات الإنسان الغربي الحديث, و وصفها في أكثر من مكان بأن بعضها (عظيمة), وأكّد على أهمية الإستفادة منها وعدم التقليل من القيمة الإنسانية لإبداعات الإنسان الغربي, وأنّها ساهمت في إثراء التراث الإنساني, دون انبهار أعمى أو إنكار أعمى: توازن, بل ذكر بعضاً منها في أكثر من موضع كـ: الإدارة الرشيدة للمؤسسات والمُجتمع, واحترام حقوق الإنسان, وتأكيد حرية الفرد, وتطوير فكرة المواطن, وانشاء دولة الرفاه, وتفعيل دور المرأة, وتطوير العقلية النقدية, وقدرتهم على اكتشاف الأخطاء وتصحيحها, وتطوير المناهج البحثية الخ, فكان من الامانة العلمية ذكر ذلك ضمن عمليات النقد الجارية لمدرسة الرجل, فهو في هذه النقطة متوازن في طرحه, إذ يُعطي الحضارة الصينية أيضاً حقّها ويذكر إنجازاتها الإنسانية وإسهاماتها الكبيرة التي يغفل عنها بعض المثقفين العرب بينما ينبهرون بالحضارة الغربية ويتسابقون لتبييض ساحتها. إذن نحن نضع إنجازات الحضارة الغربية في سياقها التاريخي. ولا أريد الخوض في النموذج الحضاري الغربي الإمبريالي الذي أوصل الغرب لما هو عليه اليوم من تقّدم وتحديث من خلال التخريب والنهب, كي لا أتهم باليسارية, إذ بات من الصعب اليوم أن تستخدم مصطلحات وأبجديات أي طرف ضمن أي سياق, حتى لا تُحسب عليه.

- ثم إنّني متفاجئ جدا حينما تطلب من الرجل أن يُبيّن لك – وأنا هنا أقصد المسيري إذ يتحدث المقال عنه وعن مدرسته – مثالب الحداثة وأن يكون واضحاً ومتصفاً بالموضوعية والإنصاف, الحال هنا كمن يطلب من معلّم الحلويات وهو يصنع الكنافة: أن يصنع الكنافة, ويُذكّره بوضع القطر والجبنة وأن لا يتركها على النار لتحترق الخ. الرجل أمضى حياته كلّها وهو يُفكّك الأفكار و يغوص في التفاصيل والمحذورات والامثلة والنماذج والحالات الفرعية.

- الفطرة البشرية فيها ما فيها من شهوات النفس المُتعلّقة بالمادة واللذة والمصلحة وغير ذلك من الأمور (في الشرق والغرب - حديثا وقديما), لكنّ الإسلام وضع لهذه النزوات مُحدّدات وثوابت وقيم استطاعت أن تُعدّل النفس البشرية وتُجرّدها من أطماعها.. الفرق يا أخي أنّنا اليوم ضمن معادلات الحداثة وما بعد الحداثة والعلمانية والعولمة وقوانين السوق حوّلنا هذه النزوات الفطرية الموجودة عند الغربي والعربي على السواء, حولناها إلى أبجديات حداثية وقوانين للتطور وأساسيات للإنتقال الحضاري, فصارت المادّية والإستهلاكية والموضة والفردانية وغير ذلك رادف مهم للتقدّم والحضارة ... هنا مكمن العقدة, وهنا ينبري البعض ليُبيّن الخطر الكبير في التفكير (وليس في الممارسة فقط). المشكلة ليست في حب المال ولا حتى في تكديسه, المشكلة في إنّ العقل المادي الغارق في فرديته أصبح غير قادر على استيعاب الكلّيات (أي الثوابت), أي ليس هناك قيم صلبة حقيقية مطلقة ضمن المنظور الحداثي وما بعد الحداثي.

- المُختلف في عبد الوهاب المسيري أنّه لا يشبه أبداً المقاول في المثال الذي طرحته حضرتك في المقال ... أبداً ... بل على العكس تماماً الرجل أبدع في أن يجعل التصوّر الناقد للمفهوم الحداثي متلائم ومتوافق مع واقع أمّته هو ... بل كان أكثر ما عابه على إدوارد سعيد أنّ الحيّز الذي يتحرّك فيه هو الحيّز الغربي المتجاوز للحيّز العربي. ما يطرحه المسيري في المقابل هو نموذج تحليلي فضفاض مختلف عن النماذج التحليلية في الغرب, حاول الرجل من خلال استقراء الماضي ورصد الحاضر رسم صورة للمستقبل. بل طرح الرجل أفكاراً بديلة وحلولاً عمليّة, لكن على النخب الإجتماعية والسياسية والفكرية إبراز قوى تحمل هذه الأفكار والبدائل.

- ما سعى له الرجل طيلة حياته أن يكوّن العربي/ المسلم العقل النقديّ القادر على تجاوز عالم الأشياء والمادة, لتكوين الأفكار الثورية القادرة على التغيير. دور المفكر أن يقرأ الماضي والحاضر والمستقبل ... هل هذه نخبوية؟ نعم نخبوية, عبر التاريخ - كلّ التاريخ - هناك نخبة تصنع الأفكار. فرق كبير بين رجل كالمسيري شارك في صناعة أفكاره عبر صلته بنبض الواقع والتاريخ ومشاكل الجماهير فأبدع فكراً قادراً على استيعاب حركة المُجتمع وحركة الواقع, وبين نخبة لا تفعل ذلك كلّه وتكتفي بالنقد فقط.

- مدرسة المسيري أخي د.حذيفة, لها وعليها, لا شك, لكنّها مدرسة كانت تسعى لإعادة المركزية للخطاب الإسلامي لإعادة بناء الامة.

- اعذرني على طول ما كتبت ... وشكرا لك


  • 1

  • فداء الدين السيد عيسى
    حاصل على درجة الماجستير في العلوم القيادية. ناشط في المجالين الفكري والتخطيط .كاتب وباحث في قضايا الفكر الإسلامي, علوم الإدارة والقيادة, وقضايا الشعوب المقهورة. مدرّب في الإدارة والقيادة والتخطيط الإستراتيجي.
   نشر في 11 ماي 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا