كان (فلان) يحاول أن يذاكرَ اللغةَ الفارسية، فتمثلت له فتاة فارسية جميلة، ظل يرجوها أن تلين له، وتسهل عليه، وأن تطلعه على مفاتح فهمها، وهي تتأبى عليه، وتتمنع منه...

قال (فلان) : إنَّكِ يا صديقتي فتاةٌ صعبة، والطريق إليك وعرة، ولقد لاقيت من الأهوال والصعاب ابتغاءَ الوصلِ بيني وبينك، وهتكِ الحُجُبِ التي بيني وبين فهمك؛ فلو تنازلتِ هذه المرة عن غروركِ وكبريائك المتمثل في تأبِّيكِ عليًّ، وامتناعك مني؛ لتكونين أثيرة قلبي، ووحيدة فؤادي!!!

قالت: إنَّني لأمامَك منذ ثلاثة أشهر(١)، وكلما اعترضتُ طريقك؛ علَّك تلتفتَ إليَّ، أو تجالسني قليلاً كي أطلعَك على أسرار قلبي، أو أشكو لكَ همي، أو لعلِّي -إن رأيتُكَ تستحق حبي- أفضيتُ لكَ بمكنون صدري؛ فما وضعتَني إلا في منزلةٍ بين (سـ) و(سوف) حتى علا نضرةَ شبابي ترابُ العجز والكهولة(٢)...

أردتُني لكَ شابةً رشيقةً، غضةً، بضةً؛ فأبيتَني إلا عجوزاً شوهاء عشواء. طلبتُكَ لي ثلاثةَ أشهر؛ فلم تقبلْني إلا ثلاثة أيام آخرها يوم موتي!(٣)

لقد غرَّتْكَ هذه الفتاة الهجينة، العربية الأوربية(٤)، بحسنها ودلالها، وثقافتها الغربية الدخيلة، ورأيتَ جمالاً جديداً لم تره من قبل، ومال قلبُك إلى جمالٍ غربيٍ هجين، ولم ترضَ مني بجمالٍ شرقيٍ خالص!!

وعكفتَ -مهتماً- على تيك القرآنيةِ السُّنية(٥)؛ لأنك مسلمٌ سني، وأنا إما مجوسية مزدكية، أو مسلمة شيعية، ومتى كان اختلاف الدين حاجزاً في طريقِ الحب؟!

ولقد كَلِفْتَ بهذه الفتاةِ الأندلسية(٦)، ورضيتَ مفارقةَ بلادِك؛ لمرافقتها في بلادها؛ لأنها تذكرك مجدَكم الضائع الذي ليس لكم منه إلا أصلُ معناه(٧)...، وتبكي عندها مُلكَكم الزائل الذي ليس لكم منه إلا نقيضُ لفظه ومعناه...، وتقص عليك تاريخَكم الماضي الذي ليس لكم منه إلا تأريخ الأيام والأعوام...!!!

كنتُ أريدُ منك ساعةً واحدةً كلَّ يوم، بل كلَّ أسبوع؛ أتصبر بها على مرارة شوقي إليك، ولوعة قلبي بك... ساعةً واحدةً من بين تلك الساعات التي تقضيها بين ذراعَي الهجينة، أو السُّنية، أو الأندلسية(٨)؛ وكأنك تعيش مع كل واحدة بين أربعة أذرع(٩)، لا أربعة حوائط، وتراوح بين حِضن هذه، وحِضن تلك كما تتنقل بين الغرفة والغرفة، ووطأتَ كلَّ الغُرَفِ بقدميك إلا غرفةً واحدة، غرفتي أنا الفارسية!!!

وكانت النتيجة أن خانت الهجينةُ وُدَّك، وغدرت بحبك، ونسيت كل هذه الساعات التي قضيتها معها؛ لأنَّ المرأة الغربية لا تطيق البقاء مع رجلٍ واحد، ولا تقابل الصدق في الحب إلا بالكذب والخداع؛ فكانت النتيجة كما رأيت، لم تعطك منها على قدر وقتك المهدر، بل ردت عليك إحسانك صفعة على صفحة وجهك...(١٠)

حتى إنك اهتممتَ العامَ الماضي بالإنجليزية الكاثوليكية، وما أعجزك عن التقرب منها اختلافُ لسانها عن لسانك، بل أقمتَ بينكما الترجمان(١١)، ولم تستحِ أن تطلعه على أسرار ودكما، ومتى كان الحب يقبل الوساطة أو الشفاعة؟!

قال لها: إنَّ بي لكِ من الشوق والالتياع ضعفَ ما بك، وإن غفل عنك عقلي بهؤلاء النسوة؛ فلم يغفلْ عنك قلبي، ألا يرضيك أن أكون لهنَّ عقلا بلا قلب، وأكون قلباً وعقلاً... بل إنا لنرقى في مراقي الحب حتى أكون لكِ قلباً بلا عقل، وهكذا الحب لا يقبل إلا الجنون، ألا إنَّ الجنونَ هو الحب!!!

ألا يرضيك أن أعطيهن ثلاثة أشهر شركة وقسمة بينهن، وأخلو بك ثلاثة أيامٍ خالصةً لك وحدك؟!

قالت له: رحمة الله للنساء منك ومن كلامك، ما سمعت كلماتك العذبة حتى رضي قلبي عنك، وقد فتحته لك لتطلع على سري وكُنهي، وكشفتُ عني الحجابَ الذي أعجزكَ عن فهمي، وأودعتك جميعَ كلماتي، ونقشتُها في قلبك؛ لتذكرني بعد موتي، ويكفيني من مدة حياتي القصيرة معك -أن أراك سعيداً متفوقاً نجيباً يومَ تحثو علىَّ التراب!(١٢)

___________________________________________
١-مدة هذا الفصل الدراسي.
٢-يوم بدأ صاحبنا المذاكرة وجد الكتاب قد علاه التراب.
٣-هي الأيام الثلاثة قبل الامتحان، وموتها كناية عن نهاية الامتحان.
٤-كناية عن مادة الأدب المقارن.
٥-كناية عن مادة علوم القرآن والسنة.
٦-كناية عن الأدب الأندلسي.
٧-أصل المجد في اللغة امتلاء البطن بالعلف ثم استعمل مجازا في الامتلاء بالكرم.
٨-كناية عن جلدتَي الكتاب، وهي كناية بديعة لم نُسبق لمثلها كما ترى.
٩-الأربعة أذرع هم ذراعَيَّ وجلدتَيِّ الكتاب.
١٠-كناية عما لقيناه من امتحان الأدب المقارن.
١١-كناية عن مادة اللغة الإنجليزية، والترجمان هو ترجمة جوجل على الهاتف.
١٢-قد أوهمت المسكين كما ترون أنها ملكته مقالدها، ولكنَّه للأسف ما زال في هذه اللغة أجهل من حمار أهله.