شاءت الأفكار أن نُبحر ونحن لا نُجيد فن السباحة , أن نسلك طرقاً لم تعهدها خطواتنا من قبل , أن نرى وجهاً أخر لأنفسنا لم نطمح لرؤيته يوماً , أن نرتحل كأننا نبحث عن موطننا الأصلي ولكننا لا نملك أي دليل على وجوده ! , أن نُغامر بما تبقى داخلنا من إتزان , من هدوء وإستقرار , فقد لا نملك أياً منهم بين ليلة وضحاها ! ..
شاءت الأفكار أن نعتزل الحياة , المنطق يصبح عبثاً واللامعقول يصبح منطقياً بالقدر الكافي لنحيا به , تتبدل الأحوال بمنتهى السلاسة , وبعد أن كانت الأفكار مجردة من المعاني , أصبحت هي المعنى ودونها لا جدوى من الوجود ..
شاءت الأفكار أن تُلقينا خارج نطاق الإرادة , وبعد دهور من السيطرة عليها شاءت أن نتبدل إلى خُدام مُخلصين لما تُمليه علينا ! , تتقاذفنا أينما ووقتما أرادت ذلك , كأن المتعة واللذة تكمن في رؤيتنا نتخبط ولا نعي ما الداعي لذلك ؟! ..
شاءت الأفكار أن تُظهر الحقائق ولكن بطريقتها الخاصة , الطريقة التي لن تترك البشري بسلام , تُصعقه الحقيقة وتنهش حُطام راحته حتى التبدد , فتتركه بعد ذلك يُعاني أعراض الوضوح والإدراك المُطلق , المُتسبب في تلك الحالة هي الفكرة , ولكنها تتهرب من إصلاح ما أفسدته في نفس البشري , تنسحب هادئة مطمئنة تاركة خلفها من يحترق في سبيل أن يستعيده , يستعد ذاته التي تشتعل ولا يقوى شئ على إخماد تلك الفوضى ! ..
شاءت الأفكار أن تمنح البشري بعض الذبول , فقد شق عليها أن تراه متوهجاً مُفعماً بالحياة , سلبت منه الحياة وقدمت له الموت المؤقت ! , فهل يجد البشري القوة الكافية لرفض هدية ثمينة كهذه ؟! , وإن تملكته الشجاعة للرفض فهو رفض مرفوض ! ..
شاءت الأفكار أن تجعل البشري ينظر نحوه نظرة خوف , إرتعاب , كأنه يرى شبحاً مُخيف يسير على أقدام بشرية ! , ينظر له عبر مرآته نظرة إنكار لما وصل إليه من حال لا يدري كيف النجاة منه ؟! , هل هو مصير أبدي أم أنه النجاة منه أمر مُحتمل ؟ , ولكنه سرعان ما يُدرك أن في تساؤله هذا فكرة أخرى بحقيقة جديدة تُزيد من إنغماسه في تعاسته اللانهائية ! ..
بإمكانك الهرب كما تشاء .. من عالمك بأكمله , وترتحل كما يحلو لك .. وإن أصبحت جاهلاً لمقصدك ضائعاً ولكنك بضياعك هذا تجد المتعة المطلقة متمثلة في الإبتعاد عن حياة لم تمنحك سوى الضجر .. بإمكانك أن تنشق , تبتعد , تتلاشى .. ولكن ما الجدوى من ذلك إن لم تستطع أن تهرب مما يستقر بداخلك ويأبى الإقلاع عنك ؟! .. حينها وفقط , يصبح الفرار لا فرار منه ! .. فلن تجد إقتلاع كيانك من جذور أفكارك بالأمر الهين ..
التعليقات
لقد وصفت الحياة و التقلبات التي تحدثها بداخلنا باحترافية ..مقال رائع ..يصف بمضمونه تلك الحروب القائمة بين العقل و القلب ..
أحسنت ..دام إبداعك ♡
بالتوفيق في مقالات أخرى ..