كم أكره الأدعياء الذين يدّعون - كذبًا - كل فضل، ويتمسحون بكل فضيلة!
الذين تسلقوا قمم المجد فأهانوها بدلًا من أن ترفعهم، وتلبّسوا بالقيم المقدسة فدنسوها ولم تطهرهم!
وتقلّدوا أوسمة رفيعة لم تضف لهم قيمة بقدر ما أرخصوا هم قيمتها!
ادّعوا العلم حتى خلطوا ولبّسوا على الناس، وندُر أن تلقى من تسأله فيقول: لا أعلم، وضاع العلماء وسط جحافل الأدعياء!
وادّعوا المشاعر حتى أصبح كاذب الشعور أكثر من الصادق، وإذا ذُكر الحب تبادر للذهن الخداع والخيانة والكذب لا الطهر والبذل والوفاء!
عامة الناس هم الحَكَم على كل ادعاء، فإما يصدقوه فيقر، أو يكذبوه فيخمد ذكره ويضمحل،
واأسفي، فإن ذوق الناس اختل، فلم يفرقوا بين غث وسمين، ورخيص وثمين، فرفعوا الوضيع، ووضعوا الرفيع، وجعلوا من البعض رموزًا وأدباءً وأئمة فقط لأنهم ادعوا لأنفسهم ذلك!
أمّا في أزمان عافية الأذواق، فلا يجرؤ أحد أن يدّعي ما ليس فيه، إذًا لمجّه الناس ولفظوه، مثلًا: في زمن الجاهلية يوم أن صحت أذواق الناس وألسنتهم، لم يكن يستطيع أحد أن يدّعي أنه شاعر - مع أن للشعر مكانته العظيمة عندهم، وهو مطمح كل طالب مجد - فالذوق العام قانون ومعيار صارم،
أمَا وقد فسد الذوق الأدبي فقد ادّعى الشعر والرواية كل غِرّ، ولا حسيب في الناس ولا رقيب!
العزاء أن الصادقين في كل ميدان وإن قلّ من يقدّر قيمتهم ويحفظ قدرهم إلا أن هؤلاء القليل إن وُزِنُوا مع غيرهم لوزنوهم ورحجوا بهم،
ولعل الله يهيئ لنا من هؤلاء القليل جيلًا يصحح للأمة ذوقها، ويضبط بوصلتها حتى تتبوأ وظيفتها في تمييز الصالح والفاسد من الأشخاص والمعان.
-
عبد الله نجيبخريج أصول الدين - جامعة الأزهر .. طالب ماجستير في الفلسفة الإسلامية - جامعة القاهرة