رسائل من المنفى (4) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رسائل من المنفى (4)

إلى أمي في كل حين ومنها إلى كل أمهات العالم ...

  نشر في 07 مارس 2019 .

" تمنيت يا قِبلتي أن أعود كما كُنت طفلاً...

برئ السِمات...

تشردت في الأرض بين الليالي ...

فأصبحتُ أحملُ كل الصفات

شباب وحزن،رمادٌ ونار

وطيرٌ يغني، بلا أغنياتٍ

أداوي الجراح،بقلب جريحٍ

أُمني القلوب بلا أمنياتٍ"


(جويدة)


حُمى البدايات تصيبني دائماً،ككل كاتب أحاول أن أبحث عن إفتتاحية غير تقليدية،عن معانٍ غير مطروقة ...

أعتذر لكِ بدءاً وختاماً - يا أمي - لأني لم أكن على قدر محبتك بذات الفيض اليومي،الدفق الذي يسبق الثواني حباً،فعجزت أن أوفي الحب بالحب،وشتان بين المكيالين،تقدمين بالــ ( اللامحدود) وأقدم بالمَقيس كما عهدتك شعلةً ومنارةً بطهر مسجد وشموخ وطن...

عُدتُ مجدداً لأكتب إليكِ من منفاي الإختياري تلك الرسائل التي لن تقرأينها أبداً...

يسمونه مارس شهر (الكوارث) تشاؤماً وأسميه لأجلك مارس الجميل،يحتفل فيه العامه بيومين الأول اليوم العالمي للمرأة والثاني عيد الأم،دونهم جميعاً يا أمي لا أشاركهم هذا الإحتفال وإن كنت في ظاهر الشكل أفعل مثلهم،أكتب عبارات التهاني و أختار الألوان الزاهية البراقة لأُطَعِّم بها زخرفات أحرفي وإن بلغ بي الشوق النصاب إخترت زهوراً من البلاستيك وقدمتها لإحداهن ...

مثلهم تماماً يا أمي أرتكب حماقة أن نحتفي بكن في يومين في شهر مارس،وأعلم تماماً أننا لن نوفي ولو جعلنا كل العام عيداً لكن،لأن كفة الميزان مصنوعة من معدن الطبيعة؛التي ترجح كفتكن دائماً،أشعر أنني مهما قدمت من حب لن يساوى عُشر ما تقديمنه لي وما تقدمه كل أمٍ لإبنها،لن نوفي ولو جعلنا عيداً لَكُن ولكنني أجعل كل العام عيداً بِكُن، هكذا تصير الحقيقة وفي واقع الأمر هذا ما يحدث دائماً...

على سبيل الذكرى، وما حملته مقدمة هذة الرسالة، حينما كنا طلاب في السنة الجامعية الأولى حكى لنا أستاذ الثقافة الإسلامية حينها، أن عاشقاً دخل على أحد أئمة الإسلام _ مالك _ على ما أذكر وألقى بين أيديه قصيدته التي كتبها في محبوبته راجياً التصويب، لما يمتلكه الإمام من معرفةٍ واسعة باللغة،فقال :

" و أخرجُ من بين البيوتِ

لعلني ...

أحدِثُ عنكِ النفسَ في السرِ

فقال له الإمام : ماذا قلت؟

قُل مرةً أخرى ...

فقال :

و أخرجُ من بين البيوتِ

لعلني ...

أحدثُ عنكِ النفسَ في السرِ "

ثم خرج ذلك الرجل، ولكن كلماته ظلّت باقيه في ذهن الشيخ وأصبحت تتكرر كأغنيةٍ وحيدة مُلئت بها كل مساحة الإسطوانة وما فتئ يرددها بينه وبين نفسه ولكن مع بعض التغيير ...

خرج الإمام من بيته،وهو يُحدث نفسه بأبيات ذلك العاشق بعد أن عدلها على طريقته فصار يُنشد كل حين :

" و أخرجُ من بين البيوتِ

لعلني ...

أُحدثُ عنكَ النفسَ

في السرِ "

هنا قال أستاذنا مقولته التي مازلت أذكرها إلى اليوم،قال :

(شتان بين عاشقٍ وعاشق)

كتبها ذلك الشاعر تغزلاً في محبوبته،فإستقرت في فؤاد الإمام حين حاول يعدلها وغلبه حبه (لله) فغيّر حركات (الإعراب) لتصير (عنك) بالفتحة وتصعد مباشرةً للذات الإلهية بعد أن كان الخطاب أرضي لواحدة من بني البشر... أنا كذلك صرتُ كذلك الشيخ كلما مرت بي كلمات في الحب أعدلها على طريقتي وأزينها (بكِ) فتصير أجمل مع إختلاف المخاطَب،لذلك إستلفت إليك أبيات فاروق جويدة في مقدمة هذا الحديث لأقول ما وددت قوله ولم يكن ...

عذراً يا أمي... كعادتي مشاغباً في حضرتك،لأنك البراح الذي تتسع في حضرته كل ضائقات العالم،أمارس هوايتي بالثرثرة والحكي،أتنقل بفطرتي بين مواضيع كثيرة لظني أن الوقت لن يكفي لأقول كل ما أود قوله ولأنني أثق تماماً بأني سأجد ما أريد وما أبحث عنه،وكعادتك تنصتين بإهتمام وهدوء وكأنك تؤدين فريضة الصلاة،تؤمئين حين يتطلب الأمر وتبتسمين لتقوّمي وتصمتين لتسمعي أكثر وتتدخلي حين تشعري أن الأمل قد بدأ يتلاشى؛ثم تملأئين روحي حتى تفيض عن جوانبها...

_ إذن كيف حالك؟

هل ما زلت تستمعين إلى الراديو لأنه يبث تلاوة (صديق أحمد حمدون) ؟ هل ما زلت مغرمة بأغنية ترباس حين يغني (أمي الله يسلمك) لأنها تخاطبك كأم وكإبنة؟ إذا جميعنا مدينون " للتجاني حاج موسى " !!

أنا بخير ...

لا تشغلي بالك كثيراً...

أقول ذلك وأعرف أنك ستشغلين بالك أكثر،ما زلنا نمضي يومنا كأمسنا وكيوم الغد الذي لا ننتظر منه تغيير،لا نعرف أن الإسبوع إنقضى إلا حين يأتي يوم الجمعة،ولا نَعِي أن الشهر قد وَلىّ إلا ونحن نتسلم الرواتب التي تعلمين ما لها وما عليها،لازلنا لا نهمتم للوجبات كثيراً،أقول ذلك _ وأعرف أنه سيؤلمك كثيراً _ لأنك تكررين الوصية ذاتها في كل مرة بأن نحافظ على وجباتنا في مواعيدها...

الجديد - يا أمي - بأن الروح قد فاضت بالحنين حتى أنه لم يعد هناك متسع،الشوق قد غطى على كل مساحات الجمال الحاضرة الآن وكأن القلب لا يعنيه سوى ما يريد...

أحدثك وفي خاطري،صورتك وأنت تمسحين على رأسي وتحكي لي عن مواضيع كثيرة حتى أني لم أعد أذكر منها شيئاً وتسمعين مني،ونقضي ساعات من الليل نحكي ونتشارك القصص حتى أنام ملء عيني ولا أعي بشئ حتى تشرق الشمس وأجدني مغطياً بأدفء الثياب إن كان الجو بارداً،وفي أفضل أماكن التهوية والنسائم إن كان الجو حاراً...

أحن إلى أحاديثك - متعك الله بالصحة والعافية - وإلى نصائحك... أحن إلى عنادي الطفولي الذي لازمني حتى وأنا صرت رجلاً،إلى طفولتي إلى شقائي ...

أكتب إليك من منفاي الإختياري ...

وأنت الشمس والقمر،تعملين بدورتين قمريتين وشمسيتين،تشرقين قبل الشمس وتمدينا بالدفء والأشعة مع كل كلمة،كوب حليب،كأس شاي،فنجان قهوة أو ضحكة وتظلين هكذا حتى إذا جاء الليل ونمنا نحن و (غربت الشمس) تظلين مشرقة،فيجئ القمر مختالاً ظاناً أن عمل النهار نال منك وأخذ من عينيك بريقهما وأنه سيضاهي شحوب اللون في وجهك،فتتربعين كبدنا بينما يحتل هو كبد السماء،تقضين ليلك تحضرين لأعمال الغد،فيسهو هو ويغيب وتظلين مشرقةً كما كنتِ حتى تشرق شمس اليوم الثاني ...

قد أطلت حديثي،تعرفينني هي عادتي أحدثك أكثر من كوني أسمع منك - أعذريني- فلا حيلة لي سوى أن أبكي في هذا المحراب ...

تجدك هذه الكلمات بخير،

في أمان الله - سنلتقي لاحقاً...

المقصر في حقك دوماً...

إبنك المُحب


  • 1

   نشر في 07 مارس 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا