نشر في 09 فبراير 2020 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
جالسون إلى مائدة العشاء...
"إذن...من سيخرج منكم غدا في المسيرة الوطنية لنصرة فلسطين؟ قالت الام مبتسمة
تدخل الابن الاوسط : هل هي مسيرة ضد صفقة القرن؟
"نعم هي كذلك يا بني..."
"أنا أيضا سأخرج معكم يا أمي..." قال الابن الاصغر ذو العشر سنوات..."سأحضر الكوفية خاصتي و علم فلسطين الذي اشتريته في المرة السابقة"
عمّ المائدة جو من الاسئلة و الاجوبة السريعة...الجميع متفائل و الجميع يريد الخروج...
و لكن....كان هناك صمت غريب من شخص واحد...
"زينب".... كانت جالسة في هدوء غريب لم يعهده منها أحد... منشغلة بحاسوبها و هي ترتشف قليلا من الشاي ...لم تشارك في الحوار...و لم تبين اهتمامها بما طرحته والدتها من اقتراح...
زينب لم تتخلف يوما عن مسيرة لنصرة القضية الفلسطينية منذ طفولتها... و قد أقنعت كل إخوتها بأهمية الخروج في المرّات السابقات.... بل و تعدت ذلك لإقناع الاصدقاء و الأهالي القاطنين في مدن بعيدة بالمشاركة...
تعجبت والدتها من هذا الجمود... فسألتها مباشرة "زينب...و أنت؟ هل ستخرجين؟"
لم يكن يشك أحد في موقف زينب من مسيرات النصرة و لم يكن يشك أحد في أنها..."ستخرج طبعا"
لم تغير زينب عينيها عن شاشة حاسوبها و أجابت ببرود..." لا، لن أخرج"
ساد الصمت فجأة... و توجهت كل الأنظار نحو زينب...
الأم : لم لن تخرجي؟
زينب : لا أريد... لن أستطيع الخروج
الأم : أليس الأمر غريبا؟... لم تتخلفي عن مسيرة قبلا...
رفعت زينب عينيها عن حاسوبها و قالت بحزم...
" و ما جدوى خروجنا؟؟ ما جدوى خروج الشعوب بالتنديد و معارضة قرارات رئيس أمريكي لا نعرفه و لا يعرفنا؟؟ ما أحدثت كل المسيرات السابقة من تغيير؟؟ ألا ترون ما يجري؟؟ ألم نخرج رافضين لمشاركة بلادنا في مؤتمر البحرين؟ ألم يقل الشعب لا لمشاركة بلادنا في مؤتمر الخيانة؟ ألم يخرج رؤساء الأحزاب السياسية إلى جانب الشعب يومها؟... و ماذا بعد ذلك؟....أرسلوا ممثلا عن البلاد... ماذا نستنتج؟ من نحن ؟ و من هؤلاء الذين يعارضون قرار الشعب؟
ألا يجدر بنا الخروج ضد مسؤولي بلادنا المطبعين الخائنين؟....أنا لن أخرج ضد ترامب و قراراته..فهو لن يسمعني و لن يهتم برأيي...أنا سأخرج إن كان هناك رجال يستطيعون قول لا للخونة من بلادنا...
كان الجميع يستمع في ذهول و صمت...
"ماذا تقولين يا زينب؟؟ صحيح أننا لا نستطيع أن نغير شيئا لكنه أقل الايمان...أن نقوي صف الرافضين و نقول للعالم أن الشعوب رافضة و لو طبعت الحكومات"
"أنا لست ضد الخروج يا أمي...أنا لم أعد أحتمل الألم الذي يسببه لي ذكر فلسطين...لم أعد أحتمل أن أقف و أقول "يا شهيد ارتح ارتح سنواصل الكفاح"...من نحن الذين سنواصل الكفاح؟ و أي كفاح هذا الذي نتحدث عنه؟
إن هذه المسيرات تمتص غضب الشعوب و توهمنا بأننا فعلنا ما علينا فعله و انتهى... و نعود بعدها نرقص على جراحنا... اخرجوا أنتم ...فأنا لن أستطيع ...الخروج يقتلني.
الام : لا تنفعلي يا زينب...حسنا ...كما أردت.
في هذه الأثناء كان والد زينب يستمع للحوار في هدوء... و استغل فرصة الصمت الذي ساد بعد هذه المفاجأة ليتحدث،
"زينب... يا ابنتي...أتفهم ما تتحدثين عنه...و أتفهم جيدا موقفك و غضبك...لكن ...اعلمي أن أكبر انهزام هو أن يتسلل روح اليأس إلى نفوسنا... أكبر انهزام للشعوب العربية أن تمل من قول "لا".... حتى و إن عارضت إرادتها الحكومات و طبعت مع العدو الصهيوني، لابد للشعوب أن تقول كلمتها، لابد أن يصل الصوت إخواننا المرابطين و الصامدين هناك في فلسطين.
أعلم جيدا أنه سيخرج في المسيرات منافقون سياسيون...و آخرون مغلوبون على أمرهم...لأن السيادة معلوم صاحبها ...و العلاقات الخارجية في بلادنا كما في بلدان عربية أخرى مرهونة بكثير من المشاكل و الصعوبات...
لذلك يجب التركيز أولا على هدف الخروج يا أبنائي...نحن نخرج اليوم...لتظل روح القضية حية...نخرج رجالا و نساء شبابا و أطفالا و شيوخا لنوصل رسالتنا للعالم و لإخواننا المرابطين...أن هناك من لا يزال يؤمن بالقضية و بأن "لا وجود لإسرائيل"... و أن الشعوب مهما كذب الانذال المطبعون لن تقبل بشيء اسمه إسرائيل."
ابتسمت والدة زينب..."أعلم أنها غاضبة و أنها لن تستطيع الجلوس دقيقة حينما يتعلق الأمر بفلسطين...إنها "أم الشهداء؟"...لم تنسي ذلك يا زينب..اليس كذلك؟
كانت زينب قد أغلقت حاسوبها...طأطت رأسها كي لا يرى أحد دموعها التي انهمرت... كناها والداها "بأم الشهداء" و كبرت تعشق تلك الارض...فلسطين
خلدت زينب للنوم تلك الليلة و هي تقول في نفسها...
"هل حقا كنت سأتخلى عن القضية؟ هل يعقل أن أتخلى؟ لم يتخلى من هم في فم المدفع و يستشهدون كل يوم منذ أكثر من 70 سنة... إنهم يريدون منا أن نمل...و نحن لن نمل....يريدون منا أن ننسي...و نحن لن ننسى...يريدون منا أن نستسلم لقراراتهم...و نحن لن نستسلم....لا سلام مع إسرائيل...لا وجود لها...و سنظل نرددها ما حيينا...سأخرج يا فلسطين و لو طعنوا قلبي بالسكاكين...سأخرج لأن روحي معلقة بك...أنت يا فلسطين."
"حين ذكرت فلسطين، امتلأت بالدمع العيون
أتراني بحبك أهيم، و بالبعد عنك صار العقل مجنون
أتراتني أنساك ، ومن فرط الألم يموت قلبي و ضميري
لا و الله لن يكون لهم ما أرادوا و سنصرخ ما طال الزمن
فلسطين و فقط أنت يا فلسطين
لتسقط كل المؤامرات، و ليمت كل المطبعين من الحكام الأنذال
من باعوا الأرض و العرض و الشعوب لكرسي ظنوا أنه لا يزال
نقول لكم...
سيظل القلب العربي ينبض باسم واحد...فلسطين
و تحمل في دمائها الشرايين صوتا واحدا...صوت الصامدين
و تنتج كل خلايا المسلمين المتفرقين، ذاكرة واحدة تورث جيلا بعد جيل.
ذاكرة العودة لمسرى سيد المرسلين
التعليقات
أحسنت...
هل حقا كنت سأتخلى عن القضية؟ هل يعقل أن أتخلى؟ لم يتخلى من هم في فم المدفع و يستشهدون كل يوم منذ أكثر من 70 سنة... إنهم يريدون منا أن نمل...و نحن لن نمل....يريدون منا أن ننسي...و نحن لن ننسى...يريدون منا أن نستسلم لقراراتهم...و نحن لن نستسلم....لا سلام مع إسرائيل...لا وجود لها...و سنظل نرددها ما حيينا...سأخرج يا فلسطين و لو طعنوا قلبي بالسكاكين...سأخرج لأن روحي معلقة بك...أنت يا فلسطين.
حوار ذكي جدا يوحي لعودة الاستماع للفطرة في حب فلسطين ...
و تنتج كل خلايا المسلمين المتفرقين، ذاكرة واحدة تورث جيلا بعد جيل...
اتزان رائع في الطرح يوحي بتحكم الكاتب في لغته و تسلسل المقال روحا وواقعا و يقظة ضمير..
شكرا جزيلا لكم لابداعكم .
الرسالة و الهدف من القصة: واضحة و وصلت إلينا تحاول بث الأمل كعادتك و إجباره على البزوغ في مكانٍ مظلم..ويبقى الأمل.
حفظك الله اخي احمد ...ما كنت أود أن افتح عيني على دموع تنهمر ...ابكتني زينب وابكيتني يا صديقي