أ تدري ، تلك الهدية الفخمة التي منحتها لرئيسك تملقا، فابتسم ببرود ثم زج بها في أسفل درج بمكتبه ،
ليتك أهديتها لشخص أجدر ، لذلك الحارس البشوش الذي طالما عبست في وجهه و كأنه هو من سن يوم الاثنين بداية للأسبوع ! أو لعاملة النظافة تلك التي تمسح الغبار عن مكتبك كل صباح و تجمع كؤوس القهوة التي لم تكلف انت نفسك عناء التخلص منها قبل مغادرة مكتبك...
لكنك لم تفعل لأنه عطاء "بالنسبة لك" بلا مقابل..
و أنت في سيارتك ال " فول اوبشن" يقصدك محتاج ، تبحث عن أقل القطع النقدية قيمة لديك ، تفتح النافذة و تمده بالقطعة ، لكنك لا تغلق النافذة و لا تغادر فورا ، بل تنتظر المقابل! تنتظر أن يمطرك ذلك المسكين فيضا من الأدعية مقابل ملاليمك المباركة!! حتى أنه قد يساورك الندم ان غادر بهدوء !
بالمناسبة، هو ليس مجبرا على ذلك ، الأصح أن تتبع أنت عطائك دعاء لله أن يتقبل منك و يغفر تقصيرك ...
على ذكر التقصير، انه فعلا موجع ان كان سهوا لكنه مفجع حين يكون عمدا !
كتقصير ذلك الاستاذ مخدر الاعصاب، يلقن الدروس برتابة و سطحية مميتة، يمضي الحصة راكدا يتربع كرسي المكتب بلا روح ، يذخر الطاقة للحصص المهمة، حصص الساعات الإضافية...
و في ضفة أخرى غير بعيدة ، كائن آخر يتربع كرسيا آخر، أكثر رفاهية، يجعله -للأمانة- بروح ، لكن بلا ضمير!
فأول درس يتلقاه صديقنا ، أن خدمة المواطنين واجب مقدس، لكن المواطنين "شيء" نسبي ، متغير غير ثابت ، يتغير بدلالة ارتفاع المنصب ، فيتحول من "عامة الشعب" عند الحملات الانتخابية ليختزل في " المقربين أولى" مع أول استراحة في القمة على الكرسي المخملي !
استفحلت في مجتمعنا النرجسية، الوصولية و الانتهازية و صارت المقايضة و المقابل عملة الأغلبية . لا أدري متى سنرقى بأرواحنا و ضمائرنا ، متى سنستأصل هذه الأورام ؟
في انتظار طفرة ما ، تعدل حالنا يوما ما، لنحاول ما أمكن أن نتعايش بضمير ، فلنخلص في حبنا ، في أعمالنا، في عباداتنا...و لنخلص نوايانا لله وحده دون البحث عن مقايضة عطاء بثناء .