لا تجعلوا أنفسكم ضحايا التقاليد - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

لا تجعلوا أنفسكم ضحايا التقاليد

  نشر في 08 فبراير 2020 .


كثيرة هي التقاليد التي تجعلنا نحس بالذنب بمجرد أن نخرج عنها، ذنب أننا خالفنا ما تربينا عليه منذ نعومة أظافرنا، وذنب الخروج عن المعتاد والمألوف، ذنب التمرد على ماطبقته وقلدته أجيالا بعد أخرى.

لطالما كرهت العادات والتقاليد التي تجعلني ضحية طقوس غبية لم أتمنى يوما أن تقيدني في رقعة لا حرية فيها ولا آمال، تلك السخافات التي تجعلنا نحسب أكبر حساب لفعل قبل أن نقوم به، خوف من الكلام الذي يصدر من أفواه الناس بأنواعه، خوف من معصية التقاليد الاجتماعية التي كانت لها القدرة على تقرير مصيرنا دون أدنى شك .

في أحد الأيام تقاسمت مع ٱمرأة ثلاثينية مقعدي بالحافلة، كان يبدو على محياها حزن شديد، حزن الحياة ومشقتها بالرغم من أنها لم تعتب المنتصف من عمرها بعد، لكن التجاعيد بدأت تداهمها قبل أوان الوقت، بادلتني السلام بعدما جلست، سألتني عن وجهتي فأجبتها، أخبرتني أن وجهتنا متشابهة، بادلتها ٱبتسامة خفيفة فصدفت بها بعد هنينه بدأت بسرد قصة حياتها دون أن أطلب منها ذلك ، سرد للماضي والحاضر ولو علمت بالمستقبل فلا شك أنها ستقصه علي أيضا، أخبرتني عن سفرها نهاية كل شهر، تصنع أثوابا وتسافر إن كانت بحاجة لقماش جديد، تجاذبنا أطراف الحديث أيضا فعادت بي إلى ماض أكدت لي من خلاله أن العادات أكبر جريمة بشعة آرتكبها البشر في حق أنفسهم، أخبرتني عن قصة زواجها الذي لم يتم، زواج وضع والدها جميع لمساته دون أن يأخد من عندها القرار، جرم بشع كاد أن يجعلها ضحية لرجل لم تحبه قط ولن تفعل مهما حاولت، أخبرتني عن ليلة زفافهما التي لم يكتب لها أن تتم أبدا، بعدما هربت مخلفة وراءها أبا كاد أن يجن بوصمة العار التي لحقته بعد معصية ٱبنته لقراره، ما أغبى الذين يظنون أن الحب يأتي بعد الزواج، ما أغبى من يقول أن الزوج سترة للمرأة؟ هل تبدو لهم الأنثى عارية بدون زوج؟ ما الشيء الفريد من نوعه الذي يضيفه الزوج إن وجد؟تفاهات، ماأقبح من يدعي أن أكبر أحلام المرأة أن تحصل على زوج وتؤسس عائلة، ٱستمعت لقصتها التي جعلتني لا أتررد في موافقتها الرأي بطأطأة رأسي كل مرة عند مواصلتها الحديث، وافقتها في كل شيء مما قالته لأنني كنت أعلم أن هناك هوامش من عالمنا يعتبرون المرأة ناقصة عقل ودين، ويعدونها كفص ملح تذوب حبا في الحصول على زوج كيفما كان.

على غرار كل هذا، كنت أملك صديقة قبل سنتين، كانت متيمة بحب الموضة والأزياء، تحب كل ما له علاقة بالأضواء والماكياج، ولعل حلمها كان أن تصبح عارضة أزياء، لكن أتدرون حلمها تحطم لسبب أن والدها كان متدينا ويملك لحية بيضاء حجبت جميع عنقه من الظهور، لم يقبل أن تكون له فتاة تكشف نصف جسدها في مقابل الحصول على عمل، تحطم حلمها لأنها كانت تنتمي لمجتمع محافظ يولي الٱهتمام للتقاليد قبل أن يهتم بالأحلام، يلبي رغبات الناس قبل أن يلبي نداء تحقيق الأحلام، الغريب في الأمر أن هذا لايقتصر على فتاة واحدة أو مائة، بل يقتصر عليهم جميعا إن صح التعبير، هل هذه التقاليد ضرورة حثنا عليها الله؟ هل هي كتاب منزل وجب ٱتباع كل ما أجاءنا به؟ هل الخروج عن المألوف جريمة تستحق العقاب؟ ما العيب في مخالفة التقاليد في سبيل البحث عن الزوج الجيد في نظر المرأة دون تدخل عائلتها في الأمر؟ ما العيب في الٱختيار الذي يريحنا ولو كان خروجا عن العادات التي سبق لأسلافنا أن تقيدوا بها وجعلوها عقابا وضلا سيضل يلاحقنا حتى تدفن أرواحنا في القبور، ليعيد الكرة من جديد مع أبناءنا، ٱشكالات كثيرة لا أجد لها حلولا مهما فكرت، من وضع كل هذه العادات التي تقيدنا بها دون أدنى ذنب؟ عادات و معتقدات سخيفة ما زلت أراها لا تمثلني في شيء، ولا أعرف إن كان واضعها عاقلا أو مجنونا؟ صدقا من وضع هذه الضوابط جعل جهاز تحكم حياة الناس بين يديه لأنه حكم عليهم بالموت البطيء، وبالتقيد بأشياء لا نعلم من أين نشأت ومن طرحها لأول مرة، سخيفة هي تلك العادات التي تقيس أدب الأنثى وتدينها ٱنطلاقا من لباسها...

أليس من الأجدر أن نخلق عاداتنا أيضا، أن ننوع قليلا، أن نتقيد بما نريد ونتحرر مما نريد؟ ما الفائدة من تكرار نفس طقوس أجيال تفصلنا بينهم أعواما ليست بالقليل؟ وما الفائدة من السير على خطى جيل ولى وٱندثر ولم يعد له وجود؟ لماذا نجعل حاضرنا مرتبطا بماضيهم؟

لا أنكر أن العادات تجعلنا نحس بالٱنتماءات المختلفة بيننا، زد على ذلك أنها تجعلنا أكثر تقبلا للٱختلاف ولا ضير من كل ذلك، لكن ليس لدرجة أن نتقيد بها تقيدا يجعلنا نستغني عن ما نريد، ليس لدرجة أن نجعل من التقاليد بمثابة زنزانة تخلو من الحياة، تقتل أحلامنا ببطء، وتمحي السعادة التي تحسسنا بحلاوة الحياة، أنا لست ضد العادات، أنا ضد من يختبأ ورائها ليروي لنا أشياء سخيفة لا وجود لها، أنا ضد كل العادات التي تسلبني حريتي في سبيل سد فاه الناس، أنا ضد كل أب يمنع ٱبنته من التعلم بحجة السخافات، وضد ذلك الآخر الذي يزوج ٱبنته القاصر بمن لا تحبه بحجة العادات، أي عادة هذه التي تمنعني من ٱتخاد أهم قرار لي بالحياة، أنا لست ضد العادات، لكن ضد الرجل الذي يتخد زوجته مكنسة ومربية لأطفاله بحجة أنه شاهد يوما والده يعامل والدته بالمثل ...أنا ضد كل هذا

تعلموا جميعا أن تعيشوا حيواتكم بالطريقة المثلى التي ترضي ذواتكم، ليس بالطريقة التي ترضون بها المجتمع، تعلموا أن تحبوا الذات مهما كانت، حرروها من كل وهم يجعلها في تعاسة، حققوا أحلامكم ولو كانت منافية للعادات، لا تقيدوا أنفسكم في قفص سيجعل أحلامكم تموت كل يوم ببطء. لاتجعلوا أنفسكم ضحايا العادات ...

مريم وكريم 


  • 1

  • مريم وكريم
    وإن سألوكم عنا أخبروهم أننا نحن من نتعاطى الحبر وندخن الورق . مريم وكريم ، كاتبة ، و مدونة مغربية.
   نشر في 08 فبراير 2020 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا