لماذا قررت طلب العلم في البيت و ليس في الجامعة ؟
نشر في 13 نونبر 2019 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
*هذه دعوة لترك الإطار التعليمي الغربي اللاديني و العودة إلي مناهج التعليم التي توافق إنتماءنا الحضاري و العقائدي.
ولدت في بيت مختار عنيبة رحمه الله و كان يولي مع والدتي حفظها الله إهتماما بالغا بعلوم الدين و علوم الدنيا. و قد شجعاني منذ صغري علي المطالعة المكثفة. و ربياني علي العفة و آداب الحشمة بحيث لبست الحجاب الشرعي بمحض إرادتي و كنت أنفر من الإختلاط. طوال مدة دراستي في الطورين المتوسط و الثانوية كنت ألتزم بأخلاق العفة، لا أتكلم مع زملائي الذكور إلا للضرورة القصوي، و في الطور الثانوي الذي امضيت جل سنواته بثانوية "بيت الحكمة" بتونس كنت أخاطب الذكور بصفتي رئيسة قسم في تلك الثانوية و التي كانت تديرها السيدة الكريمة أروي النيفر الصدفي، إبنة فضيلة العلامة الأستاذ محمد الصالح النيفر رحمه الله.
عند عودتي النهائية إلي أرض الوطن في 1987 و بعد فشلي في إمتحان البكالوريا التونسي، أعدت سنة البكالوريا في ثانوية المقراني بالجزائر و فشلت للمرة الثانية. فقام والدي رحمه الله بتسجيلي في الجامعة الليلية للتعليم المتواصل قانون عام بكلية الحقوق ببن عكنون.
إلا أنني كنت بدأت أفكر جديا في الوجهة التي كان يتوجب علي إتخاذها في حياتي، لم أكن أشعر بأي ميل لدراسة القانون بالخصوص أن مرجعية دولة الجزائر القانونية وضعية و لا تعتبر التشريع الإسلامي المصدر الرئيسي لها.
قبل عودتي من تونس، كان والدي رحمه الله و الرغم أنه لم يكن رجلا ميسورا بل كان يشرف علي التقاعد و قد إجتهد لجمع مبلغ مالي ليرمم به بيتنا العائلي، و جاهد ليبني لي جناح ألحقه بالبيت العائلي، كان ذلك الجناح يضم غرفتي، مكتبة و غرفة إستقبال و كان جناحي يطل علي حديقة مبنية علي النمط المغربي الذي نجده في رياض مراكش بالمغرب الأقصي الشقيق. كوني ميالة إلي العزلة، سعدت بجناحي ذلك و الذي كان يخيم عليه الهدوء طوال العام، فقد كان بإمكاني الكتابة و المطالعة و العيش وفق نظام حياة منضبط فيه الجمال، جمال الورود و الأزهار التي كانت تزدان بها الحديقة و السكون الذي ترنو إليه النفس المؤمنة بعيدا عن صخب الناس و لهثهم خلف متاع الدنيا الزائل.
لم أرتاح إلي نسق الدروس في الأشهر الثلاثة بكلية الحقوق، إذا ما حضر الأستاذ إنقطع الكهرباء، عدد الطلبة كان كبير جدا في المدرج بحيث لا نستطيع متابعة بشكل جيد محاضرة الأستاذ، كنا ممنوعين من إرتياد مكتبة الجامعة. هذا و ما لم أكن مرتاحة له الإختلاط، فقد تفاجئت بزميلة قالت لي حينها :
-عفاف هناك زملاء ذكور يرغبون في التحدث معك لكنهم يهابونك.
فكان ردي :
-أرفض الحديث مع أحدهم. حرم ديننا علي الرجل الحديث مع إمرأة أجنبية عنه، و لا أريد أن يقف أحدهم إلي جنبي، مخافة أن يشوه سمعتي.
كنت أعود إلي البيت بعد كل درس و كانت الدروس قليلة للأسباب المذكورة في الأعلي و لتغيب أحيانا الأساتذة. قلت كنت أعود بشعور عدم الرضا، و شرعت في التفكير جديا في المسلك الذي سيحدد مصيري في هذه الدنيا الفانية و بعد مدة من الزمن إهتديت بعون الله و توفيقه إلي القرار الذي لم أندم عليه طوال حياتي و هو :
الإعتكاف بالبيت بغية طلب العلم الشرعي و الدنيوي، هكذا أتقي شر الإختلاط ثم إنني سأدرس مادة علمية كانت لدي إستعدادات كبيرة فيها و هي مادة العلوم السياسية، و أطور في نفس الوقت موهبتي في كتابة القصة و الرواية الهادفة باللغة الفرنسية. هذا و سأتمكن من معرفة المزيد عن ديني الإسلام في مجالات عدة : العقيدة، الأخلاق، السنة النبوية الشريفة و القراءة بتأني تفسيرات القرآن الكريم و التمعن فيها.
هذا و من أجل التعرف الصحيح علي ديني كنت أزور مرة واحدة فقط عالم دين في مكتبه، لبعد مقره عن مقر سكناي و أما من وجهني في العلوم السياسية فقد قام بهذا الدور عن إقتدار والدي رحمه الذي كان يعمل بوزارة خارجية الجزائر و عملت متطوعة لطلب المشورة و الإستشارة في نفس الوقت لديبلوماسيين أجانب و كل لقاءاتي بهم كانت تتم متباعدة زمنيا.
منذ صغري، كنت أجنح إلي التسامي بروحي و كان الله يحتل كل ذهني، في جل الأشياء التي كنت أنظر فيها احيانا أو أقوم بها كان الله نصب عيناي. محبتي لله تفوق أي محبة أخري. منذ بدايات طفولتي علاقتي بالله الواحد الأحد كانت مبنية علي الحوار الدائم معه، أتحدث إليه تعالي في كل شيء و أعلم علم اليقين أنه يستمع إلي تعالي و حينما أوجه له سبحانه سؤال لا يتأخر أبدا في الرد. كنت دائما ما أحتمي بالله الواحد الأحد، ألجأ إليه في السراء و الضراء، عندما تدفعني نفسي الأمارة بالسوء إلي إرتكاب معصية أو ذنب أجد نفسي تسارع إلي طلب المغفرة منه و كلي يقين أن الله عز و جل الحبيب، الودود، الغفار، لن يخذلني.
فكل حياتي في هذه الدنيا الفانية مبنية علي هذه الركيزة المتينة و الوطيدة في ذاتي، وجداني، و عقلي، ألا و هي تحقيق العبودية لله. أن أعمل ليل نهار و حتي في النوم علي عبادة الواحد الأحد، لهذا قراري بطلب العلم في البيت و ليس في الجامعة أعده إحدي أهم النعم التي أسبغها علي ربنا تعالي، جنبني الإختلاط و ما يترتب عنه من ذنوب و معاصي و كبائر و عشت لثلاثين سنة بين الكتب و الأزهار و الورود، و لله الحمد.
بعد علم والدي الكريمين بإختياري إحترموه و شجعوني بكل ما لديهم من حنان و معرفة و تقوي الله، اللهم يجازي أبي رحمه الله و والدتي حفظها الله بالفردوس الأعلي، أذكر أنني سئلت من إحدي أخواتي في الأيام التي أعقبت مكوثي في البيت و بداية ضبطي البرنامج الدراسي :
-عفاف الشهادة العلمية من الجامعة مهمة، فهي ستسمح لك بالعمل خارج البيت و أن تحتلي وظيفة مرموقة و تخدمي بذلك مجتمعك و عجلة التنمية ؟
فكان ردي كما يلي :
-لن أعمل خارج البيت، فأنا إمرأة مسلمة تلزم بيتها بإمكاني نشر كتبي أو مقالات في الصحف لكن أن أعمل مثل الرجل فلا. هذا و لدي ولي أمر ينفق علي، لست في حاجة إلي مال و قد ألزم ديننا المرأة المسلمة بالعمل خارج البيت في حالة ما لم يكن لديها معيل و ضمن ضوابط أخلاقية صارمة. هذا و ظروف العمل في الجزائر تسودها أجواء لادينية من إختلاط و ميوعة أخلاقية.
-طيب، قالت لي تلك الأخت الكريمة :
-إنك في سن الزواج و لعل زوج المستقبل يحتاج إلي عملك خارج البيت كي تبنوا عش الزوجية، هل فكرت في هذا الأمر ؟ فتأسيس أسرة في بلدنا صعب جدا ماديا و يحتاج الزوج إلي عمل زوجته.
فأجبتها :
-في حالة ما قدر لي الله عز و جل الزواج، طبعا سأجلس في البيت و أخدم ديني عبر كتاباتي و أعطي الأولوية لدوري كزوجة و أم و يتوجب علي الزوج أن يقوم بواجب القوامة ناحيتي كاملة بما فيها الشق المادي أي النفقة. فالزوج المتخلق بأخلاق الإسلام لن يرضي لزوجته أن يستمتع بها زملاءها الذكور في العمل أو أن يأكل و يلبس هو و أبناءه من مالها. و إن عدنا إلي النهج الرباني في إسناد القوامة للرجل، فندرك أن العلة لا تكمن في ضرورة خروج المرأة المسلمة إلي سوق العمل لتعين أسرتها علي نفقات الحياة بل الإشكال كامن في نظام إقتصادي ربوي غير عادل لا يعطي للرجل حقه كي يتمكن من تأسيس عائلة براتبه لوحده. فالمطلوب أختاه إصلاح النظام الإقتصادي و ليس إجبار المرأة المسلمة علي الإنحراف عن فطرتها و أن تهين نفسها لتذهب إلي الشارع بحثا عن قوت يومها، و تعمل بنفس دوام الرجل و في وظائف تحولها إلي مسترجلة و العياذ بالله. ديننا الدين الكامل و قد أكرم المرأة و لم يحرمها من العمل التطوعي و الخيري و أن تنفع نساء مجتمعها بالعمل ساعتين أو ثلاث في الأسبوع للتطبيب و التعليم، لكن دورها الرئيسي في بيتها و مملكتها كزوجة و أم و إبنة و أخت...
الخاتمة :
نحن مطالبين كمسلمين موحدين بإعادة النظر في أنماط المعيشة التي فرضها علينا الغرب اللاديني و ان نعود إلي التصور الصحيح لدور الإنسان المسلم الموحد و المؤمن في دنيا الفناء هذه.
فعالمنا العربي الإسلامي يعج بأشباه الملتزمين دينيا. كم من مرة نصطدم بنماذج ملتزمة تخرق أخلاق العفة، نري الرجل يتظاهر بأنه ملتزم و لكنه في اول فرصة نجده يعصي الله و هو يضحك مع زميلته و يسألها عن حياتها الشخصية مع أن زميلته ليست زوجته بل إمرأة أجنبية عنه.
كيف نلتزم بأخلاق العفة و نحن نعيش في مجتمعات كل ما فيها لا يتوافق مع قيم و أحكام ديننا ؟ لا بد لنا أن نبدأ بمراجعة عميقة للأركان التي إنبنت عليها مجتمعاتنا من جراء إعراضها عن شرع الله و عوض أن نطالب حكوماتنا التي تحارب شريعتنا الإسلامية بأن تستقيم، علينا ان نبدأ كأفراد و جماعات بالتغيير و ان نخضع الواقع اللاديني إلي قيمنا الإسلامية و لنتعاون علي البر و التقوي سلميا و طبعا حينها ستخضع النخب الحاكمة الفاسدة لمنطق الخيرين.
آمل أنني أوصلت رسالتي لكل إمرأة مسلمة تخاف الله و تتوق لمرضاته. فعليها طبعا أن تطلب العلم الشرعي و الدنيوي وفق ظروفها الخاصة و إمكانياتها لكن بين جدران بيتها. و اللهم يتقبل مني و اللهم يأجر والدي الكريمين و يجعلهما جيران محمد عليه و علي آله أفضل الصلاة و السلام و صحابته الكرام و اللهم ثبتني علي تقواك و طاعتك و اللهم إرحمني و إغفر لي و أرزقني مرضاتك يا واحد يا أحد يا عليم يا قدير يا غفور يا ودود يا حق...
الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله
www.natharatmouchrika.net
-
نظرات مشرقةروائية و قاصة باللغة الفرنسية مناضلة حقوق إنسان باحثة و مفكرة حرة
التعليقات
أولا... أحييك على اختيارك الجلوس بين جدران البيت من أجل دراسة العلم و الكتابة... لكن دعيني أخبرك أنه اختيارك الذي له حيثياته و لا يجعل منه الاختيار الامثل و الاوحد و الأصح. و سأبين لكم طرحي هذا.
سأبدأ من قولك (كان ذلك الجناح يضم غرفتي، مكتبة و غرفة إستقبال و كان جناحي يطل علي حديقة مبنية ....فقد كان بإمكاني الكتابة و المطالعة و العيش وفق نظام حياة منضبط فيه الجمال، جمال الورود و الأزهار التي كانت تزدان بها الحديقة و السكون الذي ترنو إليه النفس المؤمنة بعيدا عن صخب الناس و لهثهم خلف متاع الدنيا الزائل.)
مما يبين أنك و الحمد لله من عائلة ميسورة.... ما يجعل مقالك هذا مجحفا في حق... من تسكن مع والدها في غرفة فوق السطوح و تلك التي ليس لها والد و تقطن مع أخيها و زرجته في بيت واحد و أخوها من يصرف عليها من ماله جزاه الله خيرا...
و لا يتحدث عن تلك السيدة التي هجرها زوجها بعد أن ترك لها أطفالا و لا تلك الارملة التي لم تجد من يمد يد العون لها من أجل غذاء أبنائها.
ثم سأمر على الجزء الذي قلت فيه..."لإعتكاف بالبيت بغية طلب العلم الشرعي و الدنيوي، هكذا أتقي شر الإختلاط" هناك أمران.... لا يوجد طلب للعلم يكون صحيحا بشكل فردي... إما أن تأخذي عن عالم أو أستاذ...إما أن تناقشي ما تدرسينه مع من هم أصحاب تخصص ... و إلا سيكون علما ناقصا تأخذينه دون تلق بل كما فهمه عقلك و بعدها نكتشف أناسا أعطوا لنفسهم الحق في إعطاء فتاو و آراء تحت مسمى شرعي.
و الأمر الثاني هو الاختلاط.... الاختلاط ضرورة ...يجب أن يقنن بأساليب شرعية.
أمر أخر...إن كان لك شغف بالكتابة فهناك من لها شغف بالطب و هناك من لها شغف بصناعة الأجهزة و هناك من لها شغف بالبحث... فهل تكبت النساء شغفها فقط لأنه لا يمكن إنجازها من المنزل بعيدا عن مخالطة الرجال؟
و قولك"لن يرضي لزوجته أن يستمتع بها زملاءها الذكور في العمل" حقا هي جارحة للمرأة و للرجل... فكيف ترين أن أي التقاء في أي إطار بين المرأة و الرجل هو استمتاع الرجل بالمرأة؟؟؟؟ من أين هذا الفكر؟؟؟
هذه بعض المقاطع من مقالكم التى اخترتها كي أخرج لك بخلاصة.....
نحن نحتاج المرأة إلى جانبنا في العمل ... أجل أقولها لأنني أراها في العمل و لا أستمتع بها كما تقولين... بل تساعدنا بأفكارها بثباتها على الحق بمشاركتها المفيدة... إنها الطبيبة التي ستبحثين عنها كي تفحصك بدل رجل... و هي المعلمة التي ستحرص على ابنك في المدرسة... و هي المهندسة التي ترفض الانصياع للرشاوي من أجل تمرير المشاريع... و هي و هي....
و من هذا المنبر أحيي كل امرأة عاملة... "تختلط" بالرجال من أجل إصلاح المجتمع في العمل و في الجمعيات الخيرية .... و إلى جانب ذلك تحافظ على حجابها و عفتها و حيائها و يحسب الرجال ألف حساب لأي كلمة أو حركة أو نظرة يقومون بها أمامها. إنها المرأة صاحبة المبادئ الاسلامية و التي وسط كل الاغراءات هي ثابثة ثبات الجبل على الحق.
و إني أظن أن الفكر الذي لا يجيب على احتياجات المجتمع و تغيراته و المستند من فقه الواقع هو فكر غير عملي و لا يزيد إلا من شدة تفرق المجتمع.
تقبلوا مرورى و شكرا