"ساعة والدي .."
"هذا الجمال لا قيمة له لان لا أحدا يشاركني إياه"
نشر في 08 مارس 2020 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
دوما ما يحن المرء إلى أرض قضى فيها بضع سنوات أو حتى أيام...ولطالما شعر بارتباط من نوع ما بتلك الأرض.
لظروف قسرية خارجة عن إرادتي ،لم أستطع السفر إلى بلدي ومسقط رأسي..الغربة مرة ، تحكم المرء أمور كثيرة خارجة عن إرادته.. ولكن أحيانا ,قد يجد الإنسان نفسه وحيدا..يتوغل في ذاته وحده..يرهقه ماض ذهب..ويقلقه حاضر كئيب..ومستقبل مجهول..يجد نفسه وحيدا تماما كمنظر الغروب الجميل يفكر..يسرح بخياله ويقول :
"هذا الجمال لا قيمة له لان لا أحدا يشاركني إياه"
بيته كان يشبهه .. نوافذه مظللة معتمة لا تطلّ على أحد..ولا يرى منها أحدا..فقط سر كان يخفيه خلفها.. ما كان يعلم أن الإنسان في عمق العمق ليس حراً .. فهناك المرض والشيخوخة وهناك الحوادث والصدفة ..وهناك الموت!!
الحياة تمضي حتماً و لا احد يستطيع فرض إرادته على مجرى الوجود المتقلب , لا شيء يدوم , و لا شيء يستمر , ولا شيء يبقى إلى ما لا نهاية , الكل يتحول ليؤول إلى الهلاك يوماً ما ... وقتية الأشياء و تقلبات الوقت الدائمة تميز شرط حياتنا الزائلة!!
"ما قيمة الحياة, عندما تكون مجرد محطة انتظار للموت"
والدي ، كان مغتربا أيضا لسنوات طويلة في نفس البلد الذي اغترب فيه...وحنينه "اقصد الأب" جعله يشتاق لأي شيء من تلك الأرض.. دائما كان يوصي ابنه أن يحضر له أشياء هو يحبها ..
ذات مساء هاتفته لأطمئن عليه كالعادة, وأسأله ان اراد شيئا من الأشياء التي يحبها..واذا به يطلب مني نوعا معينا من الشاي, وساعة من نوع معين..وسألني متى ستأتي يا بني؟...ولكن هذه المرة ألح في السؤال!!
حسنا, يا والدي سأنهي عملي وآتي في أقرب فرصة..فأجابني: أرجو أن لا تطيل يا ولدي, فأنا انتظرك من سنتين وفي كل مرة تقول أنك قادم ولا تفعل!!
"جرس الهاتف"
بعد أيام من المكالمة الهاتفية ,واذا بصوت تملأه الدموع يقول: لا بد من حضورك فوالدك في العناية المشددة ويطلبك بالاسم...ثم انقطع الاتصال...سارعت لتجهيز اوراقي وتأشيرة سفري واشتريت الشاي والساعة التي طلبها والدي واستقليت سيارتي وسافرت ..وبعد عشر ساعات من القيادة وصلت المشفى..فوجدت والدي في العناية المركزة فعلا..
يا والدي لقد حضرت على وجه السرعة وأحضرت لك أشياء كثيرة ومنها ما طلبته مني..أنظر هذه الساعة التي أردتها.."الله يرضى عنك" لقد تأخرت كثيرا يا ولدي...نظر الى الساعة , وارتقت روحه الطاهرة الى خالقها..ومن تلك اللحظة ساعته لم تفارق معصمي...
"كانت روحه في تلك اللحظات معلقة ببارئها"
"شريعة الله في الارض ودنيانا..لا تقل لهما اف وقل قولا لينا واحسانا
السماء تشهد والارض محيانا..والعقل والفؤاد والسمع والبصر ويدانا
كنت ماء أسد به رمقي اذ كنت ظمانا .. رحلت وتركتني للماء عطشانا
برد وسلام كنت اذا القيظ اعيانا.. نور وريح عليل كنت اذا الليل اغشانا
مرسى كنت ودرعا يحمي حمانا..ملجأ نحتمي به وصخرة كنت لنا شطئانا
رب ارحم شيخا هو والدنا..رب اغفر له كلما انفلق الصبح هذا مبتغانا"
ماهر (باكير)دلاش
-
Dallashوَإِنِّي أَتَجَاهَلُ وَلَسْتُ بِجَاهِلٍ غَضِيضُ الْبَصَرِ وَلَسْتُ أَعْمَى وَإِنِّيْ حَلِيمٌ وَلَسْتُ بِحَالِمٍ حَصِيفُ الْكَلِمِ وَلَسْتُ أَسْمَى مَاهِر بَاكِير
التعليقات
لذلك أكره البعد، دائما ما يفاجؤنا بالألم، و يترك في قلوبنا حرقة على الذين نحبهم.
الحمد لله أنه ترك وراءه ابنا بارا يذكره... و يدعو له بالخير.
مقالك مؤثر أخي ماهر...و فيه عبره.
تحياتي