يحبني الصغار. يلتفون حولي كضمادات لجروح الزمن. يحبني الصغار. يلتفون حولي، يصيحون بأصواتهم الرقيقة صباح الخير، فيتحول صباحي إلى الخير. يصيحون مساء الخير فيغدو مسائي كحقل ربيع من الأزهار. ينظرون إلي بعيون صغيرة و قلوب كبيرة. أنظر إليهم و أستحيي من كمية الحب التي يمكن أن ترى في عينين!
يحبني الصغار، يكتبون لي رسائل يومية بأخطاء كثيرة. أستحيي مرة أخرى أن أشطب عليها بالقلم الأحمر. يحبني الصغار، أعود إلى سن الطفولة، أعود إلى الابتسامات الخفية، أعود إلى البكاء من الفرح، و أعود أحيانا إلى الغضب. أغضب عندما لا يفهمون و أثور عندما لا ينفذون، و أصمت من الخيبة عندما يتعثرون. و بينما أتقلب في مشاعري و مزاجيتي المفرطة يظل يحبني الصغار. يحبني الصغار، يدققون في ملامح وجهي كي يرسموا صورتي على الورق. يرسمونني بفستان طويل و أحمر، بشعر أسود و قصير كما يتخيلون. يراقبونني خفية و أنا على المكتب، يحاولون الغش أثناء الامتحان، أباغتهم بأن أكشفهم متلبسين. أنسى مدة الامتحان و أمضي ما تبقى من الحصة في المحاضرة عن الأمانة و الأخلاق..
يحبني الصغار، تجبرني عفويتهم على أن أخرج من اللغة العربية الفصحى لأتحدث بلغتي الأم. أتعثر قليلا قبل أن أعيد صياغة الجملة... يحبني الصغار، و أحبهم. يصنعون لي مزهريات طين و تيجانا من الزهور. أهيم بهم، أستغني بهم عن جميع من أعرف. أحتضنهم بروحي قبل يداي، و بقلبي قبل عيناي. نمضي وقتنا في التعلم و المرح، و دقائق طويلة من الشغب! يحبني الصغار، يؤمنون أنني القدوة، يعرفون أنني مصدر العلم و التقدم و الأمان. يقفون بوفاء ليبجلوا كل يوم فضل الأستاذ.
يحبني الصغار، لكن أين الخطأ؟ يمقتني الكبار، يحصون مرتبي ليعرضوه للنقصان، يلونون صوري بالدماء، يمسون بكرامتي، يسلبون حقوقي، يضعون في معصمي قيودا من الخيبة و الآلام.
يحبني الصغار، لكن...يمقتني الكبار!
نهيلة أفرج
-
Nouhaila Afrejأستاذة و كاتبة مغربية