السردية التعبيرية و اسلوبياتها - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

السردية التعبيرية و اسلوبياتها

  نشر في 24 غشت 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

 

1- ابعاد النص و القراءة التعبيرية

للنص الادبي ابعاد ثلاثة ، فاضافة الى بعده الكتابي البنائي كنص بمفردات و جمل و فقرات متجاورة ، فان له بعدا ابداعيا اسلوبيا يتمثل بالفنية و الجمالية و الرسالية ، و له ايضا بعد لغوي دلالي يتمثل بتجلّي اللغة و النص و المؤلف و القارئ . ما يحصل اثناء الكتابة هو تقاطع خطوط هذه الابعاد و تقابلها و تلاقيها في النهاية في نقاط تعبيرية . بينما يكون تتبع عناصر البعد الابداعي الاسلوبي هو من القراءة الاسلوبية ، و تتبع عناصر البعد اللغوي الدلالي هو من القراءة الدلالية اللغوية ، فان تتبع نقاط تلاقيهما التعبيرية يكون بالقراءة التعبيرية بادوات النقد التعبيري . و من هنا يتجلى الفرق الواضح واصالة النقد التعبيري و تميزه عن الابحاث الدلالية و الاسلوبية و ان كانت جزء منه و مستفيدا من ادواتهما .

و من هنا ايضا يظهر ان التصور السائد كون النص كيانا زمانيا ترتب عناصره في الزمن لا يتسم بالواقعية ، بل ان النص كيان ثلاثي الابعاد ، بعد كتابي نصي و بعد لغوي دلالي و بعد اسلوبي ابداعي . يعتمد وضوح و تجلي هذا الشكل على مدى ظهور و قوة نقاط ابعاده المتقدمة اثناء القراءة .

حينما تحدث عملية القراءة فانها تتطور من مستوى المفردة الى مستوى الاسناد او التجاور المفرداتي الى مستوى الجملة الى مستوى الفقرة ثم الى مستوى النص بكله . اثناء كل مستوى يحضر البعد اللغوي الدلالي و البعد الابداعي الاسلوبي ، و بمجموع ما يتم من انظمة احتكاك و تقابل و التقاء و تقاطع و بفعل مستوى النقطة التعبيرية لكل بعد تحصل في الفكر و النفس مواضع تعبيرية لكل وحدة كتابية فيه يقابله بعد رابع خاص بالقارئ هو البعد الشعوري و الاستجابة الجمالية ، بعبارة اخرى بينما يكون النص ككيان مكتوب شكلا ثلاثي الابعاد ساكن لا حراك فيه ، فانه ككيان مقروء يكون كيانا متحركا له اربعة ابعاد البعد الرابع هو البعد الشعوري ويمثل بعد الحركة الذي يخرج النص من السكون . فتكون القراءة هي العملية التي تعطي للنص روحا و تخرجه من الموت الى الحياة ، وهذا ما نسميه ( حركة النص )

القراءة ما هي الا عملية مشاهدة و تلقي تبحر فيها النفس في عوالم النص و الكتابة ،و الفكر و اللغة ، و الخيال و الابداع ، و الشعور و المتعة . هذه العوالم الاربعة الحاضرة دوما في الكتابة الابداعية هي التي تضرب في عمق النفس و تجعل الكتابة الادبية مميزة ، و بمقدار تجلي عناصر و اشياء تلك العوالم و تلك الابعاد يتحدد وقع القراءة و مقدارها التعبيري . النقد التعبيري هو المجال الذي يبحث الانظمة المتحققة من تفاعل تلك الابعاد و ما ينتج عنها من مواضع و قيم تعبيرية في فضاء الكتابة و عوالمها . ان التشخيص الدقيق و عالي الكفاءة للبعد الجمالي للكتابة بواسطة ادوات النقد التعبيري و تحديد المقادير الكمية و التشكلات الكيفية للبعد الجمالي للنص يمكن من تشخيص عالي المستوى لقيم النصوص جماليا مما يعد مدخلا علميا للظاهرة الجمالية و الاستجابة الشعورية تجاه الجمال 

تعتمد التعبيرية في اللغة على التوظيفات في ثلاث مستويات كما بيناه سابقا في مقالاتنا ، مستوى النص كقول و كتركيب لفظي معنوي ، و مستوى التجربة كعالم من المعاني و الحقول الفكرية المعنوية ، و المستوى الوسيط الرابط ينهما ، فبينما الجمالية في عناصر النص التعبيرية تعتمد على انجازات فردية اسلوبية على مستوى المفردات و التراكيب كوحدات كلامية ، فانّ عناصر الجمالية اللغوية في حقول المعنى الفكرية العميقة و العامة تكمن في اشكال تمظهر و تجلّي لمناطق و افراد تلك الحقول ، و اما العنصر الوسيط فهي عملية ذهنية رابطة تنتج عن عملية القراءة ، بمعنى اخر لدينا ثلاثة عوامل تنتج اللحظة الجميلة و الادهاش المصاحب : عناصر كتابية نصية و عناصر التجربة العميقة و عناصر قراءاتية و سيطة بالمعنى المتقدم ، هذا التناول هو شكل من اشكال النقد التعبيري ،و الذي بتجاوز اخفاقات النقد الاسلوبي في منطقتي العناصر القراءاتية الوسيطة و عناصر التجربة اللغوية العميقة .

2- السردية التعبيرية

ان ما يقابل الشعر هو النثر و ليس السرد كما يعتقد البعض ،السرد يقابله التصوير ، و الشعر حينما يكتب بشكل نثر فانه بالنهاية سيكون شعرا ، و المميز بين النثر و الشعر ليس الوزن كما هو معلوم ،و لا الصورة الشعرية و المجاز العالي كما اثبتته قصيدة النثر السردية بالكتلة النثرية الواحدة ، انما المميز بينهما ان الشعر يشتمل على السردية التعبيرية و لا يقصد الحكاية او التوصيل ، بينما النثر اما قصصي حكائي يقصد الحكاية او توصيلي بشكل خطاب و رسالة. بمعنى اخر ان الفرق بين الشعر و القص و اللذين يشتملان على السرد ، ان السرد في القصة حكائي قصصي يقصد الحكاية و الوصف ولو خيالا ،بينما السرد في الشعر تعبيري هو سرد لا بقصد السرد هو السرد الذي يمانع و يقاوم السرد ،انه السرد بقصد الايحاء و الرمز ونقل العاطفة و الاحساس لا الحكاية و الوصف.

السرد لا بقصد السرد ، السرد الممانع للسرد ، السرد لا بقصد الحكاية و القصّ ، السرد بقصد الايحاء و الرمز و نقل الاحساس و العاطفة ، هذه هي ( السردية التعبيرية ) .

مظاهر السرد التعبيري و الذي يكون القصد منه ليس الحكاية و الوصف و بناء الحدث ، و انما القصد الايحاء و نقل الاحساس ، و تعمد الابهار ، فيكون تجل لعوالم الشعور الاحساس بمعنى اخر ( ان الميزة الأهم للشعر السردي الذي يميزه عن النثر وان كان شعريا هو التعبيرية في السرد ، فبينما في النثر السردي يكون السرد لأجل السرد و الحكاية ، فانه في الشعر السردي يكون موظفا لأجل تعظيم طاقات اللغة التعبيرية. ) ( انور الموسوي 215)

3- اللغة المتموجة و وقعنة الخيال

جمال الأدب يكمن في طريقة التعبير و أسلوب الدلالة ، و لكل تعبير أدبي قدرة معينة على الكشف عن جماليات بدرجات مختلفة ، هذه هي المرتكزات الاساسية للنقد التعبيري ، اي البحث الواسع في اسلوب التعبير الادبي ، و لا بد من الاشارة انه لا علاقة للنقد التعبيري بالمدرسة التعبيرية و انما هو منهج اسلوبي موسع . مما تقدم من اهمية طريقة التعبير و الدلالة و تدرج تجلي عناصر الجمال تتبين قلة الاهمية في مبحث المداليل كهدف اساسي لأنه لا يعين المكمن الحقيقي للجمالية الادبية و ايضا تتبين لا واقعية فكرة الوجود التام و الفقدان التام لحقيقة الوجود الدرجاتي للعناصر الجمالية في العمل الادبي .

ان الواقعية مهمة في كل معرفة تقريرية و النقد معرفة تقريرية ، و هذه الواقعية تحتاج الى عنصرين الوضوح و التجريبية ، فما لم يكن هناك وضوح و ما لم يكن هناك قدرة على الاستقراء و التجريب فانه لا مجال لبلوغ الواقعية في النقد ، ولا تدخل الكتابة حيز الجدية و العطاء . ان النقد التعبيري ، بتركيزه على اسلوب التعبير و النظرة الواسعة الى العنصر الادبي ، و الانطلاق من امور بينة كالتعبير و الاستجابة الجماليات و المؤثرات الجمالية من معادلات و عوامل جمالية ، كل ذلك يعطي للنقد التعبيري درجة عالية من الوضوح و التجريبية و الاستقرائية .

وفق مفاهيم النقد التعبيري فان القراءة في جوهرها اندماج و عيش في النص ، و اذا لم يكن النص مقنعا فانه لا تتحقق هذه الغاية . على النص ان يحمل القارئ اليه و ان يجعله يعيشه ، و لا يقال ان المجاز العالي يعرقل ذلك ، بل العكس صحيح انما المجاز هو وسيلة لتعظيم طاقة اللغة و النص و اعطائه قدرة اكبر على التأثير و التقريب من نفس المتلقي .

الفنون الأدبية تعتمد الخيال في بناءها ، ليس فقط في ما ترمي اليه من معان ودلالات وانما في طريقة التعبير ، و ما الانزياح الا شكل من اشكال التعبير بوساطة الخيال ، اذ ان العلاقة الانزياحية خيالية كما هو حال المجاز ، اذ ريب ان هناك لاألفة بين المجاز و ذهن القارئ ، لذلك لا بد على النص ان يطرح مجازه بشكل واقعي ، طرح المجاز وهو علاقة خيالية بصورة واقعية هو ( وقعنة الخيال ) ، و وقنعة اشتققناها من كلمة واقعي ، و يمكن وصف حالة تحقيق الألفة لللاألفة التي يتميز بها الخيال التعبيري بانها حالة وقعنة له ، فالخيال المجازي في علوه و بعده و لاألفته الذهنية حينما ينجح المؤلف في تقريبه و الباسه ثوب الواقعية و الحقيقية فانه يكون طرحه بصورة واقعية وحقيقية .

ان اللغة المتموجة التي توفرها السردية التعبيرية ، و التي تتناوب بين مفردات و تراكيب توصيلية و اخرى مجازية انزياحية ، يعطيها ميزة لا تتوفر في الشكلين الاخرين من الكتابة ، اقصد السردية القصصية و الشعرية التصويرية ، فالاولى ليس لها الا ان توغل في التداولية و التوصيلية وتخفّض من مجازها و الثانية ليس لها الا ان تتعالى في المجاز . و لا يظن ان ذلك مختص بالبناء الشكلي اللفظي للنص بل انه ينفذ عميقا الى الجذور المعنوية و الدلالية و الفكرية له ، اذ ان الكتابة في كل واحد من تلك الاشكال تتصف بتلك الفوارق في كل مستوى من مستوياتها المختلفة .

لطالما تحدثنا عن لغة قوية تصل و تنفذ الى اعماق النفس الانسانية و في الوقت نفسه تحافظ على فنيتها العالية ، و يمكن ان نرى بوضوح ان السردية التعبيرية تحقق هذه الغاية فانها تخضع المجاز و الانزياح باي درجة كان الى الواقعية و الحقيقية و القرب ، انها جمع حر بين الالفة و اللاألفة انها جعل الشيء غير الأليف أليفا . و ربما لا احد يستطيع ان يقلل من قيمة الاسلوب الذي يتمكن بحرية و سلالة ان يجعل غير المألوف مألوفا ، السردية التعبيرية بكل حرية و سلالة تحقق ذلك .

ان التعبيرية المتموجة بين الواقعية و الخيالية في بناء نصوص السرد التعبيرية تحقق اللغة التي تنفذ الى الاعماق مع المحافظة على فنيتها العالية . و من الواضح ان الفهم و التصور الذي يقدم النقد التعبيري عن العناصر التي يشير اليها كما في الخيال المجازي هنا و وقعنته و تحقيق السردية التعبيري لتجليات عالية له و التموج التعبيري ، يمثل درجات عالية من الجدية و الواقعية في منهج النقد التعبيري بادواته الاسلوبية التعبيرية . كما ان وضوح عدم امكانية بلوغ مثل تلك الدرجات من الظهور و التجلي لحالة وقعنة الخيال في الشعر التصويري و السرد القصصي ، لضعف تجلي التموج التعبيري فيها يدل بلا ريب على التجريبية العالية و الاستقرائية البينة في النقد التعبيرية ، مما يمثل بابا واسعا و حقيقيا نحو بناء علمي للنقد الادبي .

4-  التوافق النثروشعري

المعهود من الكتابة الأدبية ليس فقط التمييز بين الشعر و النثر ، بل رسوخ فكرة تضادهما فالكتابة التي تميل الى الشعرية و توظف تقنيات الشعر تضعف فيها النثرية ، و هكذا العكس في الكتابة التي تميل الى النثرية و توظف تقنياتها فان الشعرية تضعف فيها . هذا التضاد و التناسب العكسي بين الشعر و النثر هو المعروف و الراسخ في الكتابة لمئات السنين ، و لقد مثل الشعر الصوري المعهود النموذج الاوضح لهذه الظاهرة ، اذ كلما تعالى النص في شعريته ابتعد و نأى عن النثرية وهذا ما لا يحتاج الى مزيد بيان .

لكن الذي يبدو و كما بيناه في مقالنا ( اللغة المتموجة و التوافق النثروشعري ) ان هذا التضاد ليس ناتجا عن امر ذاتي و اساسي في نظام الشعر و النثر ، بل هو نتاج اسلوب الكتابة و الفكر السائد عنها . اذ قد بينت نصوص السردية التعبيرية ، وهو السرد الممانع للسرد و السرد لا بقصد السرد ان حالة التوافق بين الشعر و النثر ممكنة و واقعية ، و ان التناسب الطردي و التكامل بينهما ايضا ممكن و واقع .

ان السردية التعبيرية بسعيها نحو الغاية القصوى لقصيدة النثر في تحقيق الشعر الكامل بالنثر الكامل و تحقيق حالة الشعر المنبثق من وسط النثر ، وفرت الامكانية و القدرة على تحقيق نظام ( التوافق النثروشعري ) . و لا بد من التأكيد ان فكرة التوافق بين الشعر و النثر و لا ذاتية تضادهما هو نتاج اصيل و مستقل للسردية التعبيرية و غير مسبوقة في هذا الفهم و ان كان تلمس اشكال من تجليات نظام التوافق النثروشعري في سرديات تعبيرية عالية كالقران الكريم و ملحمة جلجامش .

هنا سنتعرض الى ملامح التضاد النثروشعري و نظام التوافق النثروشعري في نصوص من الشعر الصوري المعتمد على الصورة الشعرية و من الشعر السردي المعتمد على السردية التعبيرية للشاعر العراقي حسن المهدي الذي يكتب الشكلين الشعريين .

لقد وفرت السردية التعبيرية امكانيات كبيرة للنص لبلوغ هذه الغاية و تحقيق هذه اللغة ، اذ ان السرد يتطلب و بشكل قاهر عذوبة و قربا و سلاسة تحقق الفة للقارئ ، و تحقق التعبيرية ابحارا و صعودا و تحليقا و تعمقا يحقق الادهاش و الابهار الشعري. و من الجدير بالذكر ان اية سردية تعبيرية مستوفية لشروطها تحقق هذه الغاية ، لكن نصوص السرد التعبيري تتباين في مستوى النفوذ و الابهار ، اذ ان اسلوب الكاتب و قاموسه اللفظي و ميله التعبيري و البنائي يحدد درجة الميل نحو النثرية و انخفاض الشعرية او ميله نحو الشعرية و انخفاض النثرية. وهذا الميل ليس لحقيقة التضاد بين النثر و الشعر في النص السردي التعبيري ، و انما هو بفعل معالجة المؤلف و طاقاته التعبيرية ، فانه في قبال هذه الصورة يمكن تحقق التصاعد التناسبي الطردي بالنثرية و الشعرية في السرد التعبيري ، اي تحقيق درجات تصاعدية في كلا الجانبين في وقت واحد . وهذه الحالة التي يتحقق فيها علو فني لشعرية النص و نثريته في آن واحد يمكن ان نسميها (التوافق النثروشعري) وهي الحالة الفريدة و الوحيدة ربما التي يتحقق فيها تطور و تجل اكبر للنثر مصاحبا و ملازما لتطور وتجل اكبر للشعر ، فمع كل درجة شعرية اعلى يحققها الشعر تتحقق معه درجة نثرية اعلى للنثر .وهذا بخلاف حالة التنافر و التضاد بينهما في الكتابات الاخر و منها الشعر الصوري المعهود اذ ان حالة ( التضاد النثروشعري ) هي السائد بحيث ان كل تقدم و ميل نحو الشعرية في النص يقابله نقصان و تراجع في نثريته وهكذا العكس .

من اوضح الاساليب التي تحقق حالة التوافق النثروشعري هي اللغة التي تتموج بين القرب و التوصيل و بين الرمز و الايحاء ، و بين التجلي و التعبير ، هذه اللغة هي اللغة المتموجة بين التوصيل و الايحاء والتجلي ، بين المنطقية الانحرافية التركيبية اي بين واقعية الاسناد اللفظي و بناءاته و بين خياليته ولاالفته فتحصل حالة (وقعنة الخيال ) اي اظهار الخيال بلباس واقعي مما يعطي النص عذوبة و قربا و الفة و يزيل عنه اية حالة جفاء او جفاف او اغتراب يطرا عليه بفعل الرمزية و الايحائية. ان السردية التعبيرية باللغة المتموجة تبلغ درجات متقدمة من التوافق النثروشعري ، و تصل ساحة الشعر الكامل بالنثر الكامل .

للغة المتموجة اشكال و درجات بحسب قوة الخيال و الشعرية ، و سنورد هنا ثلاثة نصوص لنا مكتوبة بلغة متموجة تتباين في درجات شعريتها و سرديتها و نلاحظ كيف ان التوافق النثروشعري يتجلى بوضوح في السردية التعبيرية المكتوية بلغة متموجة . 

5- اللغة الحرة و النص الحر

ان اللغة الحرة و النصوص الحرة العابرة للاجناس و التي ستكون و بلا شك الشكل المستقبلي للادب لن تاخذ شرعيتها بسهولة و بفترة قصيرة لأمور كثيرة اهمها تجاوزها الاجناس الادبية و تحطيمها لأعراف سائدة في اللغة و الادب . لقد بقي الادب يعاني من سطوة الناشر فكان يفارق رغبة المؤلف و رغبة القارئ لاجل ان يعجب الناشر فاهدر الكثير من الوقت و الجهد لتلبية تلك الارادات اللافنية و اللاعلمية ،اما الآن و بفضل النشر الالكتروني و امكانية النشر بشكل حر و تحرر مواقع نشر كثيرة من تلك الافكار ، صار الوقت مناسبا لظهور الادب الحر و اللغة الحرة و النص الحر العابر للاجناس ،فلا يكون امام عين القارئ سوى ما يريد ان يقوله و لا شيء سوى اللغة التي يريد استعمالها ،من دون وصاية لا فكرية و لا موضوعية و لا سلوبية ، بلا و لا ادبية فالمهم الكتابة و لا يهم ما جنسها و ما تصنيفها ، و الجمهور هو الحكم. لقد انتهى عصر الوصاية الادبية و بدا عصر الادب الحر و اللغة الحرة.

لقد اثبتت الكتابات الأدبية في العشرين سنة الأخيرة انه لا اهمية تذكر لتجنيس النصوص ، و صارت الكتابات الأدبية تتداخل حتى انها تصل الى حد لا يمكن تصينف النص الى جنس ادبي معين و يختلف في تجنيسه ، ممل مهّد لظهور النص الحر العابر للاجناس . و السردية التعبيرية بامكانتها الواسعة يمكن ان تكون البوابة الواسعة نحو النص الحر . و لا بد من تأكيد الفرق بين النص الحر العابر لاجناس الادببية و بين القصيدة الحرة ، التي تعتمد نمطيات و تقنيات الشعر الصوري . نعم النص الحر قريب جدا من قصيدة النثر ، الا انه ليس قصيدة نثر حرة ، بل هو نص ، قد يراه البعض شعرا و البعض قصة و البعض خاطرة و الاخر رسالة ، ان النص الحر يحرر المؤلف و القارئ و يحرر نفسه .

6- اللغة التجريدية

التجريدية في التعبير و اللغة هو استعما اللغة في نقل الاحساس و الشعور و ليس الحكاية ، فتتخلى الالفاظ عن وظيفة نقل المعنى الى نقل الاحساس المصاحب له كمركز للتعبير ، فيرى القارئ الاحاسيس و المشاعر المنقولة اكثر مما يرى المعاني .

و انطلاقا من فكرة انّ الابداع اللغوي و خصوصا الشعر لا يتجه بالأساس نحو البناء المعرفي و المفاهيم ، و انّ محور الابداع هو عالم المعنى و الشعور و الاحساس ، فاننا يمكن فهم اللغة التجريدية بانها اتجاه عميق نحو صور خالصة و مجردة وكلية لموضوعات الادب و عوالم الجمال و الشعور و الاحساس و المعنى ، التي تعصف بنفس الشاعر و تلهمه ، و تختلف هذه التعبيرية بشكل واضح عما يتجه نحو الجزئي من تجرية و جماليات و موضوعات قريبة ، و ينعكس ذلك بشكل ملحوظ على لغة التعبير لان خصوصية الموضوع لها تاثيرها الحاسم في شكل اللغة التي تتحدث عنه ، فبينما الجلاء و الوضوح و القرب و الاحتفاء و المجاز التعبيري وحتى الرمزية الموظفة من سمات اللغة المعبرة عن التصورات الجزئية لموضوعات الابداع و الجمال الجزئية بلغة تعبيرية جزئية تشخصية ، فان التجسيد الخالص ، و التصورات الكلية و الرمزية المبتكرة و التحليق الحر و العمق البعيد من سمات اللغة التي تتجسد فيها التصورات الكلية لموضوعات الابداع و الجمال الكلية بلغة تعبيرية كلية تجريدية .

لا بد من القول و بشكل حاسم و واضح ان الانطلاق بالكتابة من العوالم العميقة و الكلية للمعنى و الشعور لا يكفي لتحقيق التجريد ، بل لا بد من ان يظهر اثر ذلك في اللغة ايضا ، و لا تكفي الرمزية مع توظيفها و حكايتها و وصفيتها ، بلا لا بد ان تكون في وضع الاشعاع و التوهج المرئي بدل الحكاية .

 الاضافة الى عناصر الابداع من الفنية و الجمالية و الرسالية التي يجب توفّرها في العمل الشعري الناضج ، لا بدّ ان تتصف اللغة التجريدية بصفات محددة اهمّها ان تكون تعبيرا عن عالم عميق للمعاني و الاحاسيس ، بوجوداتها الخالصة الحرة ، البعيدة عن التشكل و القصد ، ببوح كلي و كوني و انساني عميق ، بمفردات و تراكيب لا ترى فيها الا تجليات و تجسيدات لتلك العوالم و عناصرها من خفوت شديد للقول و الحكاية و التوصيل ، بلغة تشع و لا تقول . حينها نكون امام لغة تجريدية لغة الاشعاع التي تتجاوز مجال القول و التشخّص .



   نشر في 24 غشت 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا