قصة تائب الجزء الثاني ( الفضيل بن عياض ) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قصة تائب الجزء الثاني ( الفضيل بن عياض )

رُبّ معصية اورثت فى القلب ذ لا وانكسار ورُبّ طاعة اورثت فى القلب علوا واستكبارا وطائع ذا همة بعد ذلة عند الله له طيب وانهارا

  نشر في 14 نونبر 2019 .

الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي ولد بسمرقند ونشأ بأبيورد (مدينة تقع الآن في تركستان) ولقد كان الفُضيْل من الصالحين الزاهدين العابدين، ويذكر العلماء موقفًا له حصل به تحوُّلٌ كبيرٌ في حياته، واتَّجه نحو الانشغال بالعبادة والزهد وملازمة البيت الحرام؛ ذلك أنه كان شاطرًا (يعني من أهل النهب واللصوصية) يقطع الطريق بين أبيورد، وسَرَخْس، وكان سبب توبته أنه عشق جاريةً، فبينما هو يرتقي الجدران إليها سمع تاليًا يتلو: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ﴾ [الحديد: 16]، فقال: "يا رب، قد آن"، فرجع فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها رفقة، فقال بعضهم: "نرتحل"، وقال قوم: "حتى نصبح، فإن فضيلًا على الطريق يقطع علينا"، فتاب الفضيل وأمَّنَهم وجاور الحرم حتى مات" رضي الله عنه.

وللفضيل أقوالٌ ووصايا انتفع بها المسلمون، منها:

- "إذا أحب الله عبدًا أكثر غمَّه، وإذا أبغض عبدًا وسَّع عليه دنياه".

- "لا ينبغي لحامل القرآن أن يكون له إلى خَلْقٍ حاجة، لا إلى الخلفاء فمن دونهم، فينبغي أن تكون حوائج الخلق كلهم إليه".

- "لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيامٍ ولا صلاةٍ، وإنما أدرك بسخاءِ الأنفس، وسلامة الصدر، والنصح للأمة".

- "جعل الشر كله في بيت وجعل مفتاحه الرغبة في الدنيا، وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا".

وقد شهد له العديد من العلماء والصالحين وأثنوا عليه ثناءً جميلًا، يدلُّ على قَدْرِه وقيمته؛ ومن ذلك ما ذكره ابن حبان من أنه نشأ بالكوفة وبها كتب الحديث ثم انتقل إلى مكة وأقام بها مجاورًا للبيت الحرام مع الجهد الشديد، والورع الدائم، والخوف الوافر، والبكاء الكثير، والتخلي بالوحدة، ورفض الناس وما عليه أسباب الدنيا إلى أن مات بها.

وقال إسحاق بن إبراهيم الطبري: "ما رأيت أحدًا كان أخوفَ على نفسه، ولا أرجى للناس من الفضيل، وكان صحيح الحديث، صدوق اللسان، شديد الهيبة للحديث إذا حدَّث".

وقال ابن المبارك: "إذا مات الفضيل ارتفع الحزن"؛ لأنه كان دائم الحزن لا يُرى ضاحكًا ولا متبسمًا، إلا ما يذكر حين مات ابنه، فسُئل في ذلك، فقال: "إن الله أحب أمرًا فأحببت ذلك".

وقال الفيض: قال لي الفضيل: لو قيل لك: يا مرائي، غضبت، وشق عليك، وعسى ما قيل لك حقٌّ، تزيَّنت للدنيا، وتصنَّعت، وقصَّرت ثيابك، وحسَّنت سَمْتَك، وكَفَفْتَ أذاك، حتى يقال: أبو فلان عابد، ما أحسن سمته، فيكرمونك، وينظرونك، ويقصدونك، ويهدون إليك، مثل الدرهم السُّتُّوق، لا يعرفه كل أحدٍ، فإذا قُشِر قُشِر عن نحاس".

وقد مات رضي الله عنه بمكة في المحرم سنة 187ه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

- "طبقات الصوفية" للسلمي (ص: 22).

- "تهذيب التهذيب" لابن حجر (8/ 294).

- "الرسالة القشيرية" (1/ 40).

- "سير أعلام النبلاء" (7/ 393).


  • 5

  • شاعر النيل
    أودعت قلبى إلى من ليس يحفظه أبصرت خلفى وما طالعت قدامى
   نشر في 14 نونبر 2019 .

التعليقات

الله يرحمه ... مقال رائع.
2
"إذا أحب الله عبدًا أكثر غمَّه، وإذا أبغض عبدًا وسَّع عليه دنياه".
عين الحق و الصواب.
بوركت
1
شاعر النيل
الحمد لله على كل حال
§§§§ منذ 4 سنة
هذه القصص نقرؤها تتنزل علينا كالبلسم...
تقبل مني أخي الشاعر إضافة بسيطة في موضوع التوبة...
صحيح أن "رب معصية أورثت في القلب ذلا و انكسارا" لكن كل خوفنا من استحلاء المعصية...و استحلاء فعلها و التوبة منها في كل مرة. و هذا يحيلني على شروط التوبة النصوح التي يقبلها الله و منها شرطاان أساسيان..."الندم" و "معاهدة الله عدم العودة"...و ما أدراك ما معاهدة الله.
و إذا أدرنا اسقاط هذه الاضافة على قصة الفضيل و قولكم (انتقل إلى مكة وأقام بها مجاورًا للبيت الحرام مع الجهد الشديد، والورع الدائم، والخوف الوافر، والبكاء الكثير، والتخلي بالوحدة، ورفض الناس وما عليه أسباب الدنيا إلى أن مات بها.)
فسنستخلص أنه عندما يخاف الانسان على نفسه من العودة للمعصية فهو يوفر أسباب عدم العودة ما أمكن لأن ذل إعادة المعصية يكون له ألم أكبر من المعصية في حد ذاتها.

أخيرا....رزقنا الله التوبة النصوح و رزقنا النفس المطمئنة.
تحياتي لقلمك و اختيارات المواضيع أستاذنا الفاضل.
2
شاعر النيل
ءامين اخى احمد
نحاول ان نستعرض تلك القصص علنا نرجع حقا الى الله بلا عودة الى الذنب

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا