إن الوعي من زاوية من زواياه يتجلى في عملية الارتقاء في سلم الإدراك ، ويعمل على تنظيم النفس البشرية ، ومن ثم وضعها في قوالب ، وانساق ، وسياقات مترابطة تعمل على إذكاء ملكة الاستيعاب ، وزيادة الفهم العميق الذي يرنو إلى معرفة الاسباب ودوافعها الخفية . وهو في حقيقته يساهم في إحداث المقارنات والمقاربات حتى تتضح معالم الصور الضبابية المنعكسة على شاشة العقل بألوانها الزاهية المختلفة المنتقاة من اكدارها ، وما تعلق فيها من شوائب العقل اللا واعي أو العقل الباطن كما يسمونه .
ومن جهة أخرى فإن الوعي لايكون قابل لتنامي إلا عند الإنسان الذي كلّفه ربه جل وعلا ، وأناط في عنقه حمل الامانة ، وكان بموجبها استحقاق الإنسان أن يمارس دور الخليفة في الأرض كما قال الله تعالى للملائكة حيث دار في خَلدهم الغاية من خلق ذلك المخلوق وهم يقومون بأدوارهم التعبدية على أكمل وجه واحسنه ( قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ).
بالإضافة إلى ذلك فإن الوعي لديه خاصية التطور على مستوى الأفراد المنعتقين من قيود الكثرة المتحركة وفق غرائزها ودوافعها الجسدية والنفسية على غير إلمام بتفاصيل الاسباب والمسببات من وراء ذلك السلوك الآني والموقف اللحظي . وهذا المستوى الخاص نجده حاضراً في الأنبياء والرسل والمصلحين الربانيين الذين يكرسون جل اوقاتهم في فضاءات التأمل والنظر في ملكوت الله حتى يتشكل لديهم مستوى عالي من الوعي ، والذي يمكنهم من التلقي للحق واعتناق الحقيقة ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ).
كما يوجد مستوى للوعي يعمل خارج مساحة المرء نفسه بل يتجاوز ذلك إلى الدوائر المحيطة ويقوم على بناء الجسور المعرفية ، وتوثيق الروابط في الكيان الواحد كما يفعل ذلك الجسم في توزيع مهامه من حركة انتقال الدم في العروق ، وعمل الاعضاء الحيوية ، ومضغ الطعام وما يترتب عليه من إفرازات هضمية وغيرها من العمليات التشاركية التبادلية ليضمن للجسم دوام حيويته وتفاعله بشكل سليم في نطاق حيّزه المكاني والزماني ، كما قال رسول الله ﷺ: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
-
المسافريتألم الإنسان بالوهم اكثر مما يتألم بالحقيقة .