فعاليات عيد الثقافة تدب أرجاء العقول , وفي أول أيامه تحققت معاني الإبداع في أسمى صورها .
نشر في 01 يوليوز 2021 .
كتبت / نورا محمد
- تهشيم الجهل = بناء إنسان ..
إذا أردت سحق حدود كونك الزائل فما عليك سوى أن تُبدد أستار الجهل التي تحجب المعنى عن عقلك المسكين ..
كونك الذي تفنن في الإتساع لكافة البشر ولكنه أحكم قبضته على روحك حتى سلب منها حقها في تنسم المعرفة ! , أفاض على البشرية بكل مظاهر الترف ولكنه لم يعطف عليك بالقليل من إنسانيتك ! , سلب منك حق التعرف على الحياة , حقك في الوجود ..
وبدايتك تبدأ حينما تتكاتف الحروف لتُشكل كلمات أنت في حضرتها " الإنسان " الذي لم يولد ألا بولادة معانيها ..
أنت تقرأ لتتعرف عليك من جديد , بين سطور الكلمات , تتقلب مع تقلب الصفحات وكأنك تحيا مع كل صفحة حياة جديدة لم تعهدها من قبل , بدماء جديدة تنتفض بعروقك , تشعر بحرارة كيانك الذي تبدل , يصبح لفكرك نبضاً أنيقاً يشدو بأعذب الألحان , ملامحك تُبهج الحياة بجمالها الذي لم تُصادف مثيلاً له من قبل , ملامحك يصبح لها ملامح وبحق ! , تنطلق ضحكاتك الرنانة لتجوب بلاد الله وإن كانت ممزوجة بألم الفهم ! , تبدأ أعراض إنسحاب الجهل في الفتك بك , وتنتفض بداخلك رعشة الوعي إنتفاضة مهيبة , وأنت بعد دهور من العدم تنسلخ من بين جلدك الذي لم تجد منه سوى القيود ! , قيوداً منعتك من التغلغل بالزمن قبل أن ينقضي وتنقضي أنت معه فتصبح فُتات إنسان ! ..
- والآن .. إنشققت عن مهرجان تنكر البشر في جلد إنسان ! .. واكتفيت أنت بوجهك الحقيقي وفقط دون هذا الهراء ..
أنت تقرأ لتشعر بأن قلبك لازال حياً , فتتمايل بين الحروف وكأنها المرة الأولى التي تعي فيها معنى الحرية , تهشمت أغلال الواقع , هذا الواقع الذي تسلح أمامك وكأنك المستعمر الذي إنقض على أرضه دون وجه حق أو سابق إنذار , أخذ يُحاصرك وأقسم أن يقتلع جذورك من الأعماق حتى لا تعاود فعلتك الشنيعة مرة أخرى ! , أصبح محاصرة فكرك هو الهدف الأوحد وفي سبيله يمكن إقتراف أي ذنب دون ذرة ندم واحدة ! ..
وأنت .. لم تطمع سوى في أن تعرف ! .. وإن كانت التهمة الموجهه لك هي الطمع , فهل يُعاقب الإنسان على طمعه في أن يعرف ؟! .. هل يعاقب الإنسان لأنه قرأ الحياة أم أنه في زمن لم تعترف فيه الحياة بحرفاً واحداً مما كتب عنها ؟! ..
أنت تقرأ لتنغمس بالسلام الذي لطالما فتشت عنه هنا وهناك , ولكنك في كل مرة تعود حاملاً خيبة أملك في الوصول له , بائساً , ولكنها ليست سوى إستراحة محارب وإن طالت .. حرباً مع المجهول , فثمة قوى خفية تتلذذ بتدمير معاني الإنسانية , تحكم قواها من أجل إذابة إتزان الإنسان حتى يصبح بلا سبيل , بلا معنى يحيا لأجله ! ..
أنت تقرأ فلا قواعد يمكنها أن تسري على قلبك , أنت في عالم المعرفة عابراً على كل الأكوان , تقتطف من بين كل بستان زهرتك التي لن تتعرف إلا عليك , تلهث خلفك وكأنها وجدت وطنها بعدما ضلت السبيل عنه ! , تشق السماء شمس لم تُلامس أشعتها وجهك من قبل , حتى الهواء يصبح جديراً بأن يكون هواءً ! , خطواتك تشعر بأثرها , تترك دليلها لإثبات صدقها بأنها خطوات إنسان وليست عبثاً على أرض الحياة , وبين اللحظة والأخرى يدب داخلك زمنك الخاص , فلم يعد يهم توقيت البشر , يكفيك توقيت عقلك الذي توهج بفضل القليل من الحروف ..
- بوابة المعرفة تتألق أمام جمهورها العتيق في أول أيام إنطلاقها ..
اليوم , الأول من يوليو لعام 2021 , تبدأ إطلالة من نوع آخر , أناقة الفكر وحدها الطاغية على المشهد , من كل مكان تتلهف العقول لتتنسم الثقافة بإختلاف صورها ومعتقداتها , في هذا التاريخ إنطلقت فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الــ 52 , وبحشد هائل من الكُتاب والمواضيع والإتجاهات , هدفهم الأول والأخير هو إثراء المحتوى وإضافة بريقاً خاصاً للعقول , مشرقاً بكل الأفكار الأدبية التي يمكنها أن تُزيل الغبار عن العقل , لتفتح أمامه آفاق جديدة لم يُخيل له أن يصل لها يوماً ما , ولكنه إستطاع وذلك بدايةً من اليوم وعلى مدار اسبوعين , أنت في ضيافة الفكرة , فلا تضطرب , الفكرة تعي جيداً كيف تُحسن ضيافتك ..
يُعد هذا المعرض واحداً من أكبر المعارض في العالم والأكبر في العالم العربي وأقدمها أيضاً , حيث أنه في عام 2006 تم إختياره ليكون ثاني أكبر معرض بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب , وطبقاً للإحصائيات فقد يزور المعرض حوالي 2 مليون شخص سنوياً , فهو يُعد إحتفالاً لكل قلم مبدع وكل عقل ينبض بالرقي وكل قارئ شغوف بالمعرفة ..
يعود تاريخ المعرض إلى عام 1969 , ففي الإحتفالية بالعيد الألفي لمدينة القاهرة , قد قرر وزير الثقافة آنذاك / ثروت عكاشة الإحتفال بالعيد ولكن بشكل ثقافي , وعليه تمت إقامة معارض للكتب في مصر وذلك للتعريف بالكتاب والإعلان عنه وكذلك فتح أسواق جديدة أمام الناشرين المصريين , وأيضاً لبيع الكتب والمصنفات الفنية والأدبية وجعلها في متناول المواطنين ..
وفي عام 2021 , أصبح مركز مصر للمؤتمرات والمعارض الدولية بالقاهرة الجديدة هو وجهتك الآن , فما عليك سوى أن تجمع شتاتك وتذهب لرحلة لن تُكلفك سوى القليل من زمنك ولكنها ستضيف لك الكثير لتُكمل به مسيرتك في الحياة , وأما عن خطواتك لخوض هذه التجربة المميزة فتكمن في الحصول على تذكرة خاصة للدخول وهو ما يمكنك الحصول عليه عبر رابط خاص تم إطلاقه سعياً لتنظيم الحضور للمعرض وهو متاح طوال أيام المعرض لتُتيح لمن لم تسنح له الفرصة بالحضور بأن يصل قبل فوات الآوان ! , حيث أن المعرض في دورته الحالية قد شهد إطلاق المنصة الإلكترونية وأيضاً معرض افتراضي موازٍ بتقنية 3D , وقد نوهت الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة بأن الحصول على تذكرة المعرض لهذا العام " مجانية " كما أن عدد أيام المعرض لهذه الدورة تمت زيادتها دعماً لصناعة النشر وحتى يتم إتاحة الزمن لجميع محبي الفكر والثافة في تنسم هواء عقولهم , وذلك خلال الفترة من 30 يونيو وحتى 15 يوليو ..
وقد جاء التأكيد والتحذير مراراً وتكراراً على عدم نشر صورة التذكرة الخاصة عبر وسائل التواضل الإجتماعي حتى لا تُخترق أو تُسرق ويمكن لأي شخص آخر إستخدامها , وهو ما يدل على وجود نظام مُحكم لإدارة هذه الدورة وأيضاً وجود الكثير من الفعاليات التي تُضفي التألق على أيام المثقفين , على أيام عيد الثقافة الحقيقي الذي ينتظره الكبير والصغير كل عام , وبحسب تصريحات وزيرة الثقافة فإن عدد من يُشارك في المعرض لهذا العام حوالي 1218 ناشراً مصرياً وعربياً وأجنبياً من 25 دولة , لتشمل 4 قارات من بينها 7 دول أفريقية منها / السودان , جنوب السودان , ليبيا , المغرب , تونس , وحوالي 12 دولة آسيوية منها / العراق , الكويت , الإمارات , الأردن , السعودية , لبنان , اليمن , فلسطين , و5 دول أوروبية منها / صربيا , روسيا , اليونان , بريطانيا ..
وقد شهد الإفتتاح الرسمي للمعرض يوم أمس الموافق 30 يونيو 2021 حضور رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي و كلاً من : الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف , والسفيرة نبيلة مكرم وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج , والدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار , والدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني , والدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي , والطيار محمد منار عنبة وزير الطيران المدني , ووكيلا مجلس النواب المستشار أحمد سعد الدين ومحمد أبو العينين , والدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية , واللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة ..
كما حضر الافتتاح "مايا جويكوفيتش" نائبة رئيس الوزراء وزيرة الثقافة والإعلام الصربية, ومبروكة توجي عتمان وزيرة الثقافة الليبية , بالإضافة إلى عدد من السفراء لدى القاهرة , إلى جانب عدد كبير من المسئولين والمثقفين والإعلاميين والكُتاب والصحفيين ..
وفي خضم الإفتتاح أزاح رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي الستار عن مبادرة أطلقها من أجل تشجيع وحث المواطنين بمختلف أعمارهم على إقتناء الكتب وذلك بقيمة تتراوج من جنية ولا تتجاوز الـ 20 جنيهاً , وهي مبادرة " ثقافتك كتابك " , وهي مبادرة تم إطلاقها لهذه الدورة من المعرض وتضم مئات العناوين من دور النشر وقطاعات الوزارة بواقع ١١ ناشراً , كما تشمل هذه المبادرة تنظيم عدد من الأنشطة الافتراضية من خلال المنصة الإلكترونية الخاصة بالمعرض لهذا العام الإستثنائي ..
وعلى مساحة 80 ألف متر مربع , قد بلغ عدد الأجنحة به 756 جناحاً لتضم 823 دار نشر , بحيث يبلغ عدد الناشرين المصريين ( نشر عام ) 344 دار نشر, وعدد الناشرين المصريين ( كتاب أجنبي ) 40 ناشراً , وعدد الناشرين المصريين ( كتاب الأطفال ) 47 دار نشر , وعدد الناشرين المصريين ( وسائل تعليمية ) 27 دار نشر , وعدد الناشرين المصريين ( كتاب إسلامي وتراث ) 98 دار نشر , وعدد مكتبات سور الأزبكية 49 مكتبة , وعدد الناشرين ( كتاب صوتي ) 1 , كما يشارك في المعرض من ذوي القدرات الخاصة 5 أفراد، و11 ناشراً لمبادرة وزارة " ثقافتك كتابك " ..
كما وأعلنت هيئة الكتاب عن برنامج خاصاً بالأنشطة الثقافية والفنية التي تكون مصاحبة للمعرض طوال أيامه , والتى تتضمن مجموعة من الندوات الشعرية والقراءات فى بعض الكتب , وعرض لكتب أخرى , ولقاء فكرى مع الدكتورة إيناس عبدالدايم , وزيرة الثقافة , وهو ما يعقبه عرض مسرحية " المتجول " وهي من إنتاج المعهد العالى للفنون المسرحية .. فتتنوع فعاليات المعرض حتى تُشبع كل الأذواق والعقول ويصبح الخاسر الوحيد في هذا المهرجان المعرفي هو من لم ينضم لقائمة الحضور ..
وتزامناً مع الضيف الذي إتخذ من العالم كله موطناً له , " فيروس كورونا " , فقد تم التشديد على الإلتزام بكافة الإجراءات الإحترازية طوال أيام المعرض لتجنب أي إصابات قد تحدث نتيجة التزاحم , وعليه فقد تم توفير "جيل" تعقيم للأيدي في مدخل كل القاعات , للتأكيد على ضرورة الحفاظ على الصحة العامة حتى تمر فعاليات الدورة بأمان ونجاح , وهو ما أشاد به زوار المعرض في ختام يومه الأول .. اليوم الأول الذي شهد إقبال عدد كبير من عشاق الأدب في كل مكان , حتى بلغوا حوالي 72 ألف مواطن حتى نهاية اليوم , حيث تم رصد العدد من خلال المنصة الإلكترونية التي تم إستحداثها لتتماشي مع الظروف الراهنة .. فهل تجد أن شعباً يتسلح بالقراءة يُمكن أن تحطمه الحياة ؟! ..
- اليوم , ارتوى العقل بعدما تعطش للمعرفة ..
الجميع يُشارك , الجميع يتأهب ليلتقط أنفاس حرية عقله من جديد , كل عام تنتظر أن تفتح لنا القراءة أبوابها لكي ننجعل لزمننا معنى وقيمة , واليوم تحققت المعادلة الصعبة , فما عليك إلا أن تتخذ قرارك بأن لا تكون من المقيدين عن هذا الحدث الضخم , حدث ينتظره المفكرين والمتذوقين لكل أنواع وأشكال الثقافة في بلدنا الحبيبة , فما عليك إلا أن تبدأ بخطوة لكي تمنحك القراءة بحوراً من العلم والمعرفة ..
قد تُزلزل القراءة كيانك بطوفان من الضوضاء , تشعر أنك قد غرقت ببحور لا تهدأ أمواجها لحظة فيُسمح لك أن تلتقط بعض أنفاسك ثم تعاود الإبحار , حتى وإن كان إبحارك هو محاولة للنجاة ! , وحتى التناقض عرف طريقه إليك ! , فقد ينتابك إحساس الغربة رغماً عن تكدس البشرية بأكملها حولك , ولكن روحك حققت معنى البراح , أنت وحدك في ظلمة ليلك ولكن أفكارك أفاضت عليك بلحظات الونس , فالحق أنه لا يوجد بينهم مخلوق يقوى على مشاركة روحك ما تكابده خلال دقائق ! .. ووحدها الفكرة القادرة على ذلك , يُسعدها أن تُقيدها بصحبتك أبد الدهر ..
يصبح الهذيان عين العقل ! , والمنطق مجرد شعارات يتفوه بها البشر دون أن تحرك داخلك نبضاً , دون أن تُثير رغبة عقلك في التشرب بالمزيد منه , يصبح المنطق دعابة تشمئز من سماعها , وتصبح أنت التائة بلا مأوى أو دليل ! , تبغض الحديث البشري المتهالك , وتُتهم بأنك لم تعد كما كنت ! , ولكن هل يمكن لعقلاً رأى الحياة بعين الفهم أن يعود كما كان ؟! , تصبح المتغطرس , المتفلسف العنيد في نظر البشرية , منبوذاً ينفض الكبير والصغير من حوله وكأنه الوباء الذي لن يتركهم بسلام ! , ولكنه السلام بعينه ..
وبرغم كل هذه الجلبة التي تُطيح بحقك في التواجد بين البشر وإن كان تواجد لا قيمة له , إلا أنك قد عثرت على عالمك الخاص , عالم يأبى أن يمر العمر إلا بالتعرف عليك , هو عالمك الحقيقي وإن حُكم عليك بأن تكون سجيناً فيه لآخر أنفاسك , وإن أمعنت النظر لوجدتك داخل حدوده قد ملكت الأكوان بأسرها ..
هو موطنك الأصلي , شعورك الأصدق , أنت كما يجب أن تكون ..