انهمار النيازك.. قريباً..

هيام فؤاد ضمرة..

هي زخة ماطرة من مئات الشهب والنيازك تسقط من السماء على تتابع لعدة ساعات أو عدة أيام باتجاه واحد فتحدث وميضاً ساطعاً يعبئ السماء كمثل المطر، حدث فلكي ساحر الروعة تحدثه مجموعة هائلة من الشهب المذيلة التي تنشأ عن تيارات من الحطام الكوني تدعى النيازك في حين تخترق الغلاف الجوي للأرض بسرعة عالية جداً وفي مسارات متوازية يستطيع المرء رؤيتها تقريباً من أي بقعة من العالم وتحدث تقريباً كل عام، لكنها تكون بكثافة كبيرة كل مئة عام تقريبا.

وكشف عالم النيازك في وكالة ناسا الفضائية بيل كوك أن العالم سيشهد زخة كبيرة من النيازك سوف تسقط في مشهد خلاب في منتصف شهر آب الجاري تقريباً، ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر في ظاهرة فضائية تعرف بزخة الشهب أو الإنهمار النيزكي، وأن الناس سوف يستمتعون بمشهد خلاب يضيء السماء بشكل مشحات مضيئة واضحة بمعدل مائة نيزك في الساعة الواحدة وسيسقط مئات الألوف من النيازك في عرض ساحر.

والظاهرة الفضائية التي يتفاوت حجم نيازكها بين الكبيرة والصغيرة جداً تلك التي في أغلبها قد يصل حجمها حجم حبة الرمل، وبسبب انطلاقها بالسرعة العالية جداً التي تطير فيها هذه النيازك عبر الفضاء الخارجي واختراقها غلاف الأرض سوف تعمل على احتراقها وتفكيك جزيئاتها وتبخرها قبل وصولها سطح الأرض، فيما الكبيرة منها قليل ما يصل منها الأرض، وغالباً ما يحدث قوة اصطدامها بالأرض حفرة ضخمة حسب حجم النيزك تكون بشكل صخور محترقة بين بيضاء اللون وسوداء.

وستحدث الظاهرة هذا العام مزامنة لوضع القمر في حالة الأحدوداب أي حالة الهلال، مما يجعل الفرصة سانحة لأن يحظى الناس برؤية لأفضل وأجمل زخة نيازك لهذا العام 2018م

سيتوضح لأهل الأرض شكل الكثير من الكواكب التي ستبدو مشعة في تلك الفترة مثل المريخ وفينوس والمشتري، وسيشهد علماء الفضاء الخارجي عبر أجهزتهم منظرا خلاباً للسماء المضاءة بأعداد هائلة من الشهب المذنبة

وفي تبيان الفرق بين (الشهب) و(النيازك) فذلك يكمن في موقع كل منهما فقط، فالنيازك هي عبارة قطع من بقايا المذنبات أو بقايا انفجارات الكويكبات وتختلف في حجمها ومكوناتها، في حين يصبح اسمها شهباً حين تغادر المدى الفضائي الخارجي وتعبر الغلاف الجوي للأرض المحتوي على الأوكسجين والهيدروجين والغازات الأخرى المكونة له، فسرعة احتكاكها بالغلاف يجعل منها كرة ملتهبة تتقد ناراً وتصنع ذنباً من اللهب طويلاً، وحين تصل بقاياه إلى الأرض يأخذ إسم (الحجر النيزكي)/

وأيضاً حين تكون في الفضاء الخارجي.. فإن الشهب تنشأ يومياً في الغلاف الجوي للأرض، ومعظم النيازك المسؤولة عن تكون الشهب هي عبارة عن حبيبات صغيرة من الحصى أو أصغر مكونة من الرمل وكلما كانت الشهب أسرع كلما ازداد بريقها وطال ذنبها وتتراوح سرعة الشهاب بحوالي 10-70كم/ث وفي بعض الأحيان يتكون ذيل أخضر خلفه يستمر لعدة ثواني بسبب ذرات الأوكسجين المحترقة.. ويستطيع العلماء تحديد مكونات النيازك بمجرد عبورها الغلاف الجوي للأرض من خلال لون اللهب المحترق، فذرات الصوديوم تمنحه احتراقا أصفر أو برتقالي حسب النسبة داخله، وذرات المغنيسيوم تمنح لهبه لون أخضر، وذرات الكالسيوم تمنح لهبه لون بنفسجي، وذرات السيلكون تمنح لهبه لون أحمر وهكذا.

وباختلاف مادة تكوين النيازك فإن بعض النيازك تتكون من مكونات معدنية ذات كثافة عالية، وهذه بالعادة تكون من أصول كوكبية، وبعضها هش سريع التفكك، تأخذ أشكال متعددة شبيهة بأحجار الأرض ومكوناتها، مجرد أحجار محترقة أو كتل بركانية تتحجر بعد أن تتعرض لجو الأرض وتبرد، أو كتل معدنية كثيفة كمثل معادن الأرض انفلتت عن انفجارات كوكبية

وإن كانت هذه الفترة من العام 2018م تمتاز على حدوث انهمار نيزكي كثيف متساقط من وسط عتمة الفضاء البعيد، إلا أن سقوط النيازك نحو الأرض يحدث في كل وقت من العام بشكل فردي وعشوائي، ولا يتنبأ لهذا النوع موعداً وتسمى نيازك فردية أو عشوائية، حيث تأخذ اتجاهات متعددة مائلة يمنى أو يسرى، سببها وجود ذرات رملية سابحة في الفضاء القريب من غلاف الأرض الجوي فيمتصها الغلاف الجوي نحو الأرض التي تمتلك خاصية مغناطيسية جاذبة، فيما تحدث زخات انهمار كثيف للشهب بحدود المرة في كل عام.

وأفضل توقيت لرؤية انهمار النيازك ومساراتها من الغاز المتأين المتوهج المستمرة يفضل في غياب ضوء القمر وإن كان ذلك لا يمنع من مشاهدتها بالعين المجردة حتى بحضور القمر المشع، وغالبا ما تدوم مسارات الشهب من الغاز المتأين بحدود الثانيتين بعد مرور الشهب، ويبدأ احتراق الشهب بعد دخولة الغلاف الجوي للأرض بنحو 60 ميلا أو 100 كم فوق سطح الأرض

و(دلتا الدلويات) هي زخة شهب تترافق مع مرور مذنب هالي وتكون زخته مرئية كل عام في أواخر شهر نيسان/الشهر الرابع/ابريل- إلى أوائل شهر أيار/مايو وتكون ذروتها في بدايات أيار وأطلق عليها إسم (إتا الدلويات) لأن الشهب فيها تظهر في كوكبة الدلو قرب واحد من ألمع نجومها وهو (إتا الدلو)، وتختلف تقديرات زخاته في الساعة في كل زخة ومذنب هالي يظهر بمعدل كل 75عاماً... وهناك وسيلة للتفريق بين شهب (البرشاويات) من (شهب دلتا الدلويات) حيث هنا يتبدى مفهوم نقطة الإشعاع لتوضيح ذلك، حيث تتبدى شهب دلتا الدلويات الحاملة للمياه في نصف الكرة الشمالي كقوس ينحني عير السماء باتجاه الجنوب ولذلك رؤيتة من النصف الشمالي للكرة الأرضية أوضح... فيما شهب البرشويات كونها تشع من كوكب البرشاوس (perseus) في الشمال الشرقي للجزء الشمالي من الكرة الأرضية وتتجه الشمال الشرقي فهي شهب البرشاويات، أما إن كانت تتجه من الجنوب فهي شهب دلتا الدلويات.

من المؤكد أنه خلال سنة غنية بالشهب سوف تشهد مشهداً ليلياً رائعاً والشهب يتعامد انهمارها في سماء معتمة، ويعتقد أن مصدر شهب دلتا الدلويات يأتي من المذنب ماشولز 96p، ويحدث وابل النيازك حين تعبر مدار الأرض في نفس المسار المداري للمذنب، في نفس الوقت الذي يقترب فيه المذنب من الشمس ويزداد سخونة فإن بعض أجزائه تتفلت بفعل ازدياد الحرارة منتشرة في فضاء التيار المداري للمذنب، فينطلق هذا الحطام للمذنب في الغلاف الجوي العلوي للأرض على بعد نحو90ألف ميلا (150ألف كم) في الساعة في مرحلة تحول النيزك إلى شهب.

لم يكن العلماء يعرفون على وجه التحديد مصدر سهب دلتا الدلويات وقد كانوا يظنون أنها تنشأ من تفكك مذنب (مارسدن) ومذنب (كراست سونغرازينغ)، لكن ملاحظاتهم رشحت مذنب (96p ماشولز) على أنه المصدر الأصل، واكتشف هذا المذنب (دوناد ماشولز) عام 1986م يحمله مداره حول الشمس كل خمس سنوات، إذ يخرج خارج مدار كوكب المشتري في أبعد مسافة له عن الشمس وهي نقطة الأوج، ويتأرجح إى حد بعيد داخل مدار كوكب عطارد في أقرب نقطة له إلى الشمس وهي نقطة الحضيض.

آخر زيارات المذنب 96pماشولز إلى الحضيض كان في 27 تشرين الأول/أكتوبر2017م، إن فرص مشاهدة زخة الشهب قريبة جدا ولو كنت من هاوي السهر في الفضاء الطلق ليلا فتحظى منذ هذا اليوم برؤية بعض المذنبات الفردية خاصة إذا ما غاب ضوء القمر، ولقد كانت تحدثني صديقتي هاتفياً حين صرخت بدهشة شيئا لامعاً مر أمامي في قبة السماء فقلت لها إنه شهب هذا الذي مر، فلا تخافي، لكن الزخة الشهابية تعني سقوط عدد ملحوظ من الشهب كل ساعة لهذا أخذت التشبيه بالمطر.