قالَ للإمام ِعبدِ المقصودِ: لا أنفكْ أسمعُ صوتها تقرأ ُالقرآنَ في الصحوِ و في المنامِ. قالَ له: يا ولدي أنها أمارةٌ , و خيرُ ما تفعلُ هو صلاةُ الإستخارةِ. و هذا ما فعلْ . جلسَ في المسجدِ يقرأُ القرآنَ , حتى هَلَّ الشيخُ موسى لصلاةِ الجمعة. جلسَ إلى جانبِه و إستمعَ للخطبةِ التي أضافَ عليها الإمامُ عبدُ المقصودِ موضوعاً جديداً عن الرضا بقضاءِ الله, و عن الوفاءِ بالعهودِ, و إلتزامِ بالوعود , فعرفَ قاسمٌ أنه المقصود. ما إن إنتهتْ الخطبةُ حتى سلمَ على الشيخِ موسى ,و سألهَ مرافقتَه طريقَ العودة.ِ بادرهُ الشيخُ قائلاً: هلْ من جديدٍ لديكَ يا ولدي؟ لم يرفْ جفناه,و لم تجفلْ عيناه , و لم يترددْ و قالَ: أرغبْ في الزواجِ من رقية .. و أريدُ مباركتكَ للزواجِ بها.. نظرَ الشيخُ في عينيهِ للحظاتٍ , يستشفُ فيها صدقَ الرجلِ .. و يتساءلْ لمَ غيرَ رأيَهُ .. أدركَ قاسمٌ السؤالَ و أجابَ: لا أستطيعْ النومِ إلا و صوتها يقرأُ القرآنَ في أذنيّ حتى أنام َ, و إستخرتْ اللهَ في أمري, و سكنَت قلبي الطمأنينةَ و السلام.. سألَهُ الشيخ ُما الذي ترغبهُ في إبنتي؟ قالَ قاسمٌ: زوجةُ مطيعةٌ و أمينةٌ .. طيبةُ المعشر. قالَ له الشيخَ : أتقطعُ على نفسكِ وعداً أن لا تهينها و لا تحزنها و لا تشركْ معها إمرأةً في بيتها .. طالما دامَ لك ما رغبتْ فيه؟ قال : أفعلُ إن شاءَ الله.
وافقتْ رقيةُ بشرطٍ واحدٍ هو أن يحفظَ سورةَ البقرةِ. نفذَ قاسمُ الشرطَ بعد إسبوعٍ من الزمانِ و دخلَ حياةَ البنيةِ و أبيها, كأنه سيدَ البيتِ و المكان. ما لم يعرفهُ عنها ..أنها كانت مرحةً بشوشةً, كثيرةَ الإبتسامِ, و قد أوصتْها أمها ذاتَ مرةٍ: بنيتي كوني بشوشةً, و اياك و العبوسَ ففيك من البشاعةِ ما سيصدُ عنكِ النفوس. كوني مرحةً, حلوةَ المنطقِ …و إياك و الشكوى و التذمر.. فهي تُخَرّبُ أسعدَ البيوتِ و تدمر.
ساعةٌ من الليلَ يمضيها كلَِ يوم مع الشيخِ و إبنتهِ يتعلمُ منها القرانَ و العلمَ ,و تنتهي بمسكِ الختامِ, و رقيةُ تقرأُ القرآنَ, مما جعلَه يري فيها ما يحبُ و يرغب. لحديثهاَ حلاوة كأنه عزفٌ على قيثارة, تفرحُ قلبَه و تشعلُ فيه دفْ الودِ و الإثارة. و لكن السنينَ توالت واحدةً تلو أخرى, و لم يرزقْ قاسمُ و رقيةُ البنينَ, و حاصرَهُ الشوقَ والرغبةَ في الذريةِ و البنين, كان يدركُ أنه إبتلاءٌ من ربِ العالمين, و بدأ يرى الحزنَ الذي تغالبُهَ رقيةُ -بروحها المرحةِ و نفسِها الأبية – أن يظهرَ عليها أو يبينْ. توفي الشيخُ موسى, و لم يعدْ قاسمُ يحبُ العودةَ للبيتِ إلا للنوم .. لئلا تكشفُ عيناه عما به من عدمِ الرضا و الهم. فاجأتهُ ذات مساءٍ بقولها: ألم تشتقْ لرؤيةِ أخويك؟بلى : أجابَ بإستغرابٍ شديد. تابعتْ قائلةً: إذهبْ لزيارتهِما .. و فكرْ في أثناءِ الرحلةِ في حياتنا .. فإن شئتْ أنهينا هذا الزواجُ. قاطعها قائلاً: لقد قطعتْ وعداً لأبيكِ . قالتْ بنبرةٍ حاسمةٍ :أنا بإنتظارِ قراركِ حينَ تعودْ …. و أرضى بهِ … و أُحِلُكَ من كلِ العهودِ و الوعود.
-
راوية واديكاتبة و رسامة فلسطينية .مدونتها الخاصة علي الإنترنت Rawyaart : (https://rawyaart.com) متفرغة للكتابة و الرسم في الوقت الحالي.