قصة تحدث كل يوم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قصة تحدث كل يوم

  نشر في 08 يوليوز 2019 .

The loneliest moment in someone's life is when they are watching their whole world fall apart and all they can do is stare blankly" 

-F Scott Fitzgerald 











وقع عليَ الخبر كالصاعقة, "متى حدث ذلك؟ و كيف لم أعرف؟ حسنا سآتي حالا". 

أعمل في ما يسمونه "دكانا" لبيع بعض أنواع الأشياء عديمة الفائدة التي تؤكل. أثقلت الهموم نفسي لدرجة أفقدتني الحس. تغيرت؟ نعم تغيرت, لا, أصبح الأمر جليا الآن,لقد تشوهت, لا فرص عمل جيدة, لا أحلام لا مستقبل, لا حياة.

كنت اعمل من بداية اليوم حتى منتصف الليل أقابل الكثير و امقت الكل, إلا واحدة فقط, كانت سيدة عجوز تتردد على دكاننا الصغير لتشتري ما يقويها و يبقيها في الحياة. كانت نحيفة ذات وجه منهك و ظهر محني و لكن كانت واضحة قوتها, في ابتسامتها, في هدوئها, في رقتها. اعرف أنها متزوجة من رجل متقاعد و اعلم أنهم لم يرزقوا بأبناء, لذلك كنت اشعر دائما أنها تعاملني كابنها.اعتدت على رؤية وجهها المبتسم البسيط كل يوم, كانت أحيانا تعطيني مالا زائدا لأنها تعلم بصعوبة الحال. 

كانا محبوبان جدا من العائلة, أتت لي ذات مرة و طلبت أشياء كثيرة عن حاجتها , قلت لها: ليه ده كله انهارده أنتي هاتفتحي دكان و تنافسينا و لا إيه؟, 

ضحكت و قالت: كده هاخسر كل فلوسي , ازاي اقدر أنافسك أنت يا عم؟ ,

ضحكت و قلت لها: طب ليه هتاخدي كل ده انهاردة؟

قالت لي: ولاد إبراهيم جايين انهاردة و عايزة أبسطهم 

قلت لها: تمام يبقي نبسطهم .

و رحت اعمل بهمة لكي أساعد في سعادة تلك الأطفال. و منذ ذلك اليوم اعتدت على المشتريات الكثيرة لها لكي تسعد أطفال إبراهيم- هؤلاء المحظوظين- طالما كنت أتمنى شخص مثلها يهتم بي.

كنت أعود من عملي إلي حياتي البائسة, طاقتي منتهية, اجلس في غرفتي وحيدا, لا أتعامل مع احد و لا أتواصل مع احد, انعزلت للغاية, اخترت الوحدة لا اعلم لماذا لكني اخترتها, و كان رفقائي هم كتبي و بعض الأجهزة و القهوة. حاول الكثير اقتحام وحدتي و لكني لم اسمح, كنت مصرا على الوجود وحيدا, ماذا حدث ؟ أشياء كثيرة لا مجال للحديث عنها الآن.

ذات يوم سمعت إن زوج السيدة قد توفي, كنت اعتقد إنهم سيعيشون سعداء طيلة حياتهم, لكن كالعادة كما قال احد الفلاسفة- الذي بالطبع لا اذكر اسمه اعذروني فاني لست بالمثقف الكبير- " we cannot always get what we want" , مات الزوج و انطفأت البسمة التي كنت أحبها من وجه السيدة العجوز, علمت أن فقد شريك الحياة أمر يوقف الحياة كأنك مضطرا على استكمال رحلة مجهولة المعالم بمفردك. 

و كأنها قد انقلبت الآية, تلك السيدة الرقيقة المبتسمة أصبحت متجهمة عابسة قليلة الكلام. كانت تأتي تبكي و تشكو من الوحدة و الألم التي لا تستطيع أن تتقاسمه مع احد. كنت أحاول أن أنصت لها و اخفف عنها و لكن هيهات.

أتت ذات يوم و بكت كالعادة فسألتها: طب ما تتصلي بإبراهيم يجيب ولاده و ييجوا يقعدوا معاكي شوية انا عارف انك بتحبيهم؟

نظرت لي بألم شديد و قالت: مفيش حد بيسأل دلوقتي لا إبراهيم و لا غيره .

قلت لها: ليه كده ؟ , قالت: مش عارفة فلوسي قلت و أنا العلاج بقي غالي قوي فغصب عني مش قادرة اعمل زي زمان و بعدين كله ليه حياته اللي أنا مش جزء منها و مشغوليات أهم مني.

لم استطع الرد فبادرت و قالت لي: انت اخبارك ايه؟ , قلت لها: زي الزفت الدنيا بتبوظ اكتر و زهقت من الدكان ده خلاص شربت طريقة الشغل عايز افتح مشروعي بقي.

قالت لي: طب انا عندي فكرة حلوة انا هشاركك, ثم ابتسمت و قالت: دايما كان نفسي افتح دكان بس كنت خايفة اخسر قدامك بس كده تمام عشان انت هاتشتغل معايا. 

رفضت و بشدة, كيف اقبل بمساعدتها بعد ما علمت بكل ضيقاتها ؟ لكني قبلت, و افتتحت دكانتي الخاصة و انشغلت بها جدا, كنت اريد تعويض كل ما فاتني.

افقت من شرودي هذا عند باب العزاء, صافحت الرجال و جلست, -اكثر موقف اكرهه غي حياتي- , جاء رجل غريب بجواري وقال لي: مانجيلكش في حاجة وحشة. شكرته و سالته: ايه اللي حصل؟, قال لي: لقيناها ميتة في بيتها و عرفنا انها ماتت من يومين. قلت له: ايه؟ يومين؟ ازاي محدش عرف؟ قال لي: الله يرحمها كانت وحيدة. و قطع حديثنا نداء احدهم من اخر القاعة: ابراهيم تعالى فيه حد عايزك. 

جلست على المقعد لا اعلم كيف اشعر او ففيما افكر, كيف لشخص جيد مثلها ان يكون منسيا لهذة الدرجة حتى يموت بمفرده. كان العدد قليل جدا في مكان العزاء يكاد يعد على اصابع اليد الواحدة. 

"من حق الاشخاص الجيدين عند وفاتهم ان يحزن لاجلهم احد, ان يشعر احد بان العالم اصبح سيئا بدونهم, ان يشعر برحيلهم" كنت افكر في هذا . غالبت دموعي و انصرفت. عدت البيت مسرعا و ارتميت في حضن امي و بكيت. قال لي: ايه اللي حصل؟ , و عند سؤالها تذكرت كل شيء و قلت: مفيش حاجة. و بت اردد: " شكرا يا الله على نعمة الحياة, شكرا يا الله على نعمة المشاركة, شكرا يا الله على نعمة الناس.


مستوحاه من احداث حقيقية



  • 1

   نشر في 08 يوليوز 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا