خطاب التنحّي:
في عالمٍ موازي.
“ايها الشعب المصري، طاب مساؤكم. ستمرُّ الدقائق القادمة في قراءة هذا الخِطاب كسيفٍ علي جسدي. لم اكن يوماٍ اتخيلُ و لو للحظات ان اقف بين يديكم لكي اُحاسب غير مضطراً و لكن لخوفي علي مصلحةِ هذا الوطن و سلامته. إن الامور بدأت ان تنحرف عن السياق الطبيعي لدولتنا و كل شئ اصبح خارج سيطرةِ ادارة الدولة. فالحكومةِ الحالية لم تعمل بجهدٍ علي حلّ المشكلات الاقتصادية من زيادة معدلات البطالة و ارتفاع غير مسبوق لعملةِ الدولار و ارتفاع اسعار السلع. و لم تضع الحكومة خطةً و اهدافاً محددة لعلاج امراض المجتمع الصحية و الاجتماعية. بكلِّ صدقٍ، فانا لم اضع الجهد المطلوب منّي كرئيسٍ لمصر. و يجبُ علي كل مسئولٍ منّا ان يُحاسبْ.
قبل انتخابي، تعامل الجيش المصري بقيادتي مع جماعة الاخوان المسلمين بكلِّ استهتارٍ و بكل عجزْ. غابت الحِكمةُ عن عقلي و فشلت في بناء حوار مع الرئيس الاسبق محمد مرسي. نعم، الرئيس الاسبق و ليس الرئيس المخلوع. تعاملنا مع اعتصامات جماعة الاخوان كاعتصامي رابعة و النهضة بشكلٍ عنيف و ادي ذلك الي استشهادِ ارواحٌ لا ذنب لها؛ فلم يُذنب احد منهم ابدا. كان حقاً لهم ان يعترضوا علي انتزاع اصواتهم الانتخابية بالقوة و ليس بالحوار. فالرئيس محمد مرسي اُنتُخِبَ في اجواءٍ ديموقراطية عاشها هذا الشعب فرحاً و متفائلاً لبدء زمن جديد بعيداً عن استبداد البدلة العسكرية و دخولها في سياسة مصر الداخلية و ابتعادها عن وظيفتها الاساسية وهي حماية هذا الوطن و ردع الاعداء.
الذي حدث في يوم الثالث من شهر يوليو كان انقلاباً عسكرياً مكتمل الاركان. اغتصبت المؤسسة العسكرية السُلطة و لم تنظر الي ما ينتظر مصر من خرابٍ و قِسمةٍ لا يحتاجها الشعب. كان يجب عليّ ان اُصلِح من الموقف بطريقةٍ حضارية و اضعُ يدي في يد الرئيس محمد مرسي لكي يتكاتف الشعب و تتقدم الدولة الي الامام. تتابعت الاحداث بعد هذا الانقلاب من قتلٍ و اعتقالاتٍ مستمرة لمن يسيرُ عكس اتجاه الزي العسكري و امتلئت السجون، و التي كنت اشرِفُ عليها بنفسي، بكل صوتٍ معارض. عاد ايضاٍ جهاز الشرطة الي ما كان عليه ،قبل الثورةِ الحقيقية و هي ثورةُ الخامس و العشرين من يناير، من بطشٍ و عُنفٍ تجاه المواطنين و عادت الشرطة ، كاسيادٍ للشعب و ليس في خدمته. اتكلم معكم الآن بكل صدقٍ لأن واجبي ،كمواطن قبل ان اكون عسكرياً، ان اعمل لمصلحة مصر.
مشروعُ قناة السويس الجديدة هو مشروعٌ جاء قبل وقته، و للاسف لم يأتي بالعائد المالي الذي كّنا ننتظره و بدا و كأنهُ كذبةٍ كبريَ. و بدأ الاعلام بامرٍ منّي ان يعملُ علي تضخيمِ هذا المشروع و بدأ في انشاءِ دعايةً ضخمة في مصر و بعض من البلاد العربية الشقيقة. دعايةٌ كانت اشبهُ بالسخفِ و اظهرت عدم احترام لعقول المصريين. كثيرٌ من الاموال ذهبتْ هباءً علي قناة السويس الجديدة في الوقت الذي كانت مصر و شعبها بحاجة الي كل دخلٍ.
انا لا اصدق انّي حتي الآن اتكلم بهذا الصدقْ. صيغةُ خطاب لم نتعود عليها من قبل. و لكنني فكرت في الله و ماذا سأقولُ له عندما اقف امامه.
كانت مهمتي الاولي او الوحيدة ان اتخلصُ من جماعة الاخوان المسلمين إما بالسجنِ او باحكام الاعدام. كنت ادير ملف الارهاب و الذي لم يكُن لينتهي. فكلمّا انتشر الارهاب، زادت حاجة الشعب الي الجيش مما يؤدي الي حُكم اطول للسُلطةِ. احتكرتُ السلطتين التشريعية و التنفيذية و كنت انوي ان ارسخْ حُكماً ديكتاتورياً لا ينفذ. و انشأتُ مجلس شعبيّ لا يُعبرُ عن الشعب، و كان سيعملُ كغطاءٍ علي كل خطأ و كل جريمةٍ سأفعلها.
تحولّ موقف جميع السادة الاعلاميين. فكانوا يهاجمون الرئيس الاسبق محمد مرسي في كل شئ و علي اي شئ،اما معي، استغنوا عن دورهم كمحللين و اعلاميين في اظهار الحقيقة و ارتدوا ثوبَ المناصر الدائم. فكان هذا خطأً كبيراً وقعوا فيه. ليس فقط هُم، بل كل موظفٍ و كل من يعمل داخل اجهزةِ الدولة كان علي استعداد للنوم تحت حذاء الرئيس، هذه ليست مصر.
و اخيراً، الواقف امامكم الآن هو المسئول الاول و الاخير عن اي شئٍ حدث في خلال السنتين و نصف الماضيتين.
قد سجنتُ عقولكم و لكن انتم من سمحتوا.
كلُ معتقلٍ و مسجون الآن يتم الافراج عنه بمقابل مالي، و الرئيس الاسبق سيكون في بيته خلال ساعات. سأدير البلاد لشهرٍ واحد و الشهر المقبل ستكون هناكِ بداية انتخابات رئاسية جديدة نزيهة بمراقبة دولية صارمة.
و اقدم انا الآن استقالاتي من اي منصب سواء رئاسي او عسكري.
شكرا.”