امرأة ليست ككل النساء - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

امرأة ليست ككل النساء

سميرة بيطام

  نشر في 06 غشت 2017 .

لو سألتَ بنتًا بريئة في طفولتها عن سِنِّها، لأجابَتك أنَّها تنتقل من شِبر إلى آخر على أرض تتلمذَت على ترابها، فلم تتعوَّد لها على وَقفة جريئة إلاَّ وهي تقع مرَّات عديدة، ولم تكن تبالي؛ لأنَّها السن الحقيقية للتعثُّر وليس للسُّقوط.. تكالبَت عليها الأيام فكبرَت وتعلَّمَت وصادقَت صداقات عديدة، كانت تقترب من التساؤل في سنِّ المراهَقَة أكثر، وبدأَت تتوارَى عنها لقطات الطَّيش و"الشَّقاوة"؛ لأنَّها بدأَت تكبر، وعليها أن تلتزمَ الهدوءَ في بعض سلوكاتها إلاَّ ما كان منها في البيت؛ فهي ستلقي بكلِّ ظلال الطلاقة كما شاءت؛ لأنَّ السنَّ هنا تقيِّدها في أن تبدو أكثر حريَّة عند ذهابها إلى الجامعة، وقد زيَّن العلم ملامحَ وجهها، فحملَت اليراع والكرَّاس في محفظة رغبَت في كثير من الأوقات أن تحفظ لها ما راجعَت من العِبَر والحِكَم حيث لا تنساها إلى أن يصل يومُ الامتحان، فهو لم يكن امتحان تفوُّق وفقط، بل كانت لها امتحانات في تراتيب فِكرها على أن تبدو أكثر تميُّزًا عن رفيقاتها، وبعد أن تخرَّجَت بدأَت تخطِّط للمستقبل الغامض بالنسبة لها، كم كانت جميلة وهي تختار لها من الرَّسم هواية وفرصة للانفراد بنفسِها وبأحاسيسها وما يختلج في صدرها من ميولاتٍ وملاذ لتعبير قلبِها المتحفِّظ، لم يكن يصرِّح بكلِّ شيء ما عدا نَبض الحياة العادِي، فلجأَت إلى أن تحادِث والدتَها عن أسرار الحياة في سنِّ النُّضج، كانت تريد أن تحضر نفسها لهذه السنِّ التي رغبَت في أن تميِّز فيها بأكثر نُضج وعقلانيَّة، لكن الأمَّ أبَت من ابنتها إلاَّ أن تعيش العمرَ في لحظته دون أن تفكِّر في غده المجهول، لازمَت نصيحةَ والدتها فانطلقَت في الأسفار تشقُّ البِحار والمسافات الطويلة لتكتشف العالمَ الخارجيَّ ذهنية وثقافةً وحضارة، فرتَّبَت للمؤتمرات ما يلزم من المداخلات، ومشَت في الأسواق، وتحدَّثَت بلغاتٍ غير لغتها الأصليَّة؛ لأنَّها لم تكن امرأة عاديَّة؛ فهي أرادَت أن تحلم وتحقِّق أحلامها، وقد كانت تحسُّ أحاسيس من الأمل، وبكثير من التفاؤل، فلم يُتعبها التَّحصيل العلمي، ولم يَثنِها السَّفرُ في أن تكتشف موسوعاتٍ كثيرة، فقد وجدَت نفسها في الثلاثينات تقلِّل التواصل مع الصديقات، وتستعد لأن تكون سفيرة لبلدها في أحلى تمثيل بالدَّرجة الأولى لدينها، أو ربَّما صحفيَّة تنقل الخبرَ من هنا وهناك، وترتِّب الحقيقةَ في قالب من صراحة ووجاهة، أو طبِيبة تعالِج هذا وتنصح ذاك، كلها مِهَن كانت تحبُّ عنصرَ المغامرة فيها، ولم يستقر القرارُ إلاَّ وقد وجدت نفسَها في هذه المِهَن النَّبيلة مختارة لها مِهنة الطبِّ المتعِبة والخطيرة في بعض مواقف الجراحة والتدخُّل السريع، فعلاً رسمَت طريق التحدِّي، وكانت تبدو غيرَ باقي النساء وهي تطالِع الكتبَ الأدبيَّة والتاريخيَّة والاجتماعية، ولا تكتفي لها بكتب مِهنتها فقط؛ لأنَّ عقلها كان يَسع أساطير عديدة، ويحلِّل ألفَ موقف في الساعة، هي هكذا وُجدَت، بل اكتشفَت نفسَها غير باقي النساء، فتخصَّصَت في التوليد، ولبَّت نداء الإنسانيَّة من أوسع باب لقضاء الحاجة لنساء مثلِها، ودخلَت عالَم الاستعجال والتَّضحية؛ لأنَّها ترى في إنقاذ روح وخلاصِ امرأة عملاً ورصيدًا مضافًا لجدارة شجاعتِها بعد أن وظَّفَت إمكانيَّاتها التي حبَاها بها الله، وأبَت إلاَّ أن تقتسم الفضلَ مع غيرها، وهذا ما زاد في ثِقتها بنفسها، فقد اعتمدَت فيما بعد الثلاثين نسقًا حياتيًّا متعِبًا في السَّهَر لتحصيل المزيد من المعرفة في مجال الطبِّ، فغاصَت في عمق هذا العلم، ونهلَت من تجارب الآخرين ومن أسفارها وتنقُّلِها بين مستشفيات المدن الكبرى لتنقل تجارب عديدة وتقنيات حدِيثة، فعزلَت بذلك نفسَها، ولم يعد يهمها كثيرًا التفسُّح والتَّرفيه والتنقُّل بين منازل الأهل والصديقات؛ لأنَّ الواجب أشعرها أنَّها غير باقي النساء الأخريات اللواتي فضَّلنَ مسيرة حياتيَّة عاديَّة بين البيت والأهلِ، والبساطة من العيش من غير تعبٍ كبيرٍ ولا اجتهاد في العلوم وميادين الدِّراسة، هكذا هو نسق بعضِ الأشخاص حينما يكون مميزًا للغاية، وينحصر لمن يلبِّي تلك الحاجة الملحَّة في العطاء أكثر منه في التلقِّي من الغير؛ لأن الإنسان بعطائه يأخذ أضعافًا مضاعفة ممَّا قَدَّم وهو لا ينتظر رجوعَ عطائه إليه، فهي عملية آلية لكلِّ من يعين الغيرَ ويكون خادمًا لهم، وهي من تجاربها مع المَرضى حصدَت الكثيرَ من فرص النَّجاح، وليس فقط في مجال مهنتِها بل البدء كان في مرضاة والدَيها والمحيطين بها.

ما زالَت هذه المرأة على نفس الوتيرة، وهي الآن تخطِّط لعمر الأربعين وما بعدَه وقد أدرجَت فرصة الزَّواج كمؤشِّر آخر لتترك بصمةَ عملها فيمن سيخلفها من أولادها، وقد رسمَت أبعادًا للخلَف فيما إن كان ولدًا وما يليق له من المهامِّ، وفيما إن كانت بِنتًا وما يناسبها أن رضيَت أن تكون خلِيفة والدتها حتى في أن تكون امرأة ولكن ليست ككلِّ النساء.




  • 2

   نشر في 06 غشت 2017 .

التعليقات

احمد شندي منذ 7 سنة
مقال رائع ومتميز
0
.سميرة بيطام
شكرا احمد
احمد شندي
مزيد من التفوق والنجاح

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا